الطابع المالي المفقود ورحلة البحث في السوق السوداء!
} عباس قبيسي
يُقال «إنّ تكرار واستمرار الجدال حول نفس القضايا دلالة على موت المجتمع فكرياً، إنّ المجتمعات الحيوية تتجاوز وتتقدّم في الفكرة المطروحة، بينما المجتمعات الميتة تُعيد تدوير التخلف» واجترار مشاكلها، فتصبح أمر شائعاً، وتكون مدمّرة وضارّة مع الوقت، فكيف إذا كان هذا التخلف يعود لسنوات إلى الوراء وهي واحدة من المشاكل المزمنة التي يعاني منها المواطن يومياً، وهي معضلة الطابع المالي ورحلة البحث عنه في خفايا حانوت السماسرة وأروقة الوزارات والإدارات وعلى أرصفة المعاناة علك تكون محظوظاً وتجد بعضاً منه بسعر فلكي أغلى من ثمنه الرسمي بأضعاف يصل أحياناً إلى 30 ضعفاً، وذلك بعد مئوية دخوله السوق اللبناني.
يُعتبر وضع الطابع المالي أو طابع الإيرادات ضرورة على المعاملة للتحقق من صحتها وقانونيتها، ويكون هذا الطابع بمثابة موافقة من السلطات المالية المعنية، مما يضمن تنفيذ المعاملة وتسجيلها بشكل صحيح، لأنه يوفر مستوى من الأمان والثقة بين الأطراف المشاركة. يُعّدّ الطابع المالي بمثابة شكل من أشكال توثيق المعاملة، وتعتبر هذه الوثائق القانونية مهمة من الناحية الإدارية، حيث يمكن استخدامها كدليل في حال النزاعات الناشئة، وإبرازها حيث تدعو الحاجة، كما أنها تساعد في الحفاظ على الشفافية والمساءلة في التعاملات المالية، وتراعي الشروط والأحكام المتفق عليها بين الطرفين،
بالإضافة إلى ذلك يُستعمل الطابع كوسيلة لمنع الاحتيال والأنشطة الغير القانونية في المعاملات، وهو عنصر مساعد في الحفاظ على الاستقرار.
بدأ استخدام الطابع في منتصف القرن السابع عشر الميلادي، وكان الهدف منه إظهار أنّ الضريبة قد دفعت على معاملات معينة كالمستندات القانونية أو التراخيص والعقود، وقد ساعد استخدامها الحكومات بشكل جيد بسبب فوائده وردع الاحتيال وعملت به المستعمرات الأميركية في ستينيات القرن الثامن عشر، واستخدمته الحكومة البريطانية في عام 1765 من خلال قانون الطوابع، الذي فرض ضرائب على مجموعة متنوعة من العناصر بما في ذلك الوثائق القانونية، وصولاً إلى القرن التاسع عشر، حيث بات استخدام الطوابع المالية أكثر انتشاراً، وسعت الحكومات إلى زيادة إيراداتها من خلال الضرائب وتنظيم المعاملات المالية. ومع تقدّم التكنولوجيا والتحول نحو الاقتصاد الرقمي، بدأت الدول المتطورة باستيفاء الطابع بواسطة العمليات الإلكترونية وباتت اليوم الوسيلة الأكثر شيوعاً وفعالية، وتستخدم كبديل للطوابع التقليدية اللاصقة، حيث تتجه العديد من الدول نحو استخدام التكنولوجيا الحديثة والرقمية لتبسيط العمليات على مواطنيها بغية تحسين الكفاءة والتسهيل على عملائها وتوفير عناء البحث.
لا يزال استخدام الطوابع المالية اللاصقة في العديد من الدول النامية حاجة مُلِّحة وأساسية لتحصيل المال العام لصالح خزينة الدولة ومن هذه الدول… «لبنان، جنوب السودان، زيمبابوي، ليبيا، أرتيريا، سيراليون، الصومال، غينيا الإستوائية وجزر القمر»… أمّا عن لبنان فباتت رحلة البحث عن الطابع المالي في السوق السوداء مضنية ولها طعم آخر بمذاق مرّ وعلى كلّ مواطن تذوّقه عُنوةً بالإضافة إلى تكلفته الباهظة على جيب المواطن معطوفة على مغامرة مُملّه تثبت فيها نفسك أمام الجمع، بأنّ حلمك أن تصبح بطلاً بإيجاده وتكسب الجولة وتحقق إنجازاً بفكّ رموز اختفائه وإشارته الضائعه المشفرة، إنها فرصة كلّ باحث عن كنز الطابع المفقود.
وعطفاً على تلك المعاناة صدر قرار عن وزارة المالية لتسهيل الأمر وجاء في حرفية النص، «بناء للمادة 46 من القانون النافذ حكماً رقم 10 تاريخ 15/11/2022 (قانون الموازنة العامة للعام 2022) ، تمّ تعديل المادة 20 من المرسوم الاشتراعي رقم 67/1967 وتعديلاته (قانون رسم الطابع المالي)، وعليه فإنّ وزارة المالية تعلن لمن يهمّه الأمر من أصحاب العلاقة عن توافر الإمكانية القانونية لاستبدال إلصاق الطوابع المالية الورقية بالقيمة المتوجبة على المعاملات المطلوب إنجازها من قبل الإدارات المعنية صادر أصولاً عن المرجع المختص بفرض الرسوم واعتبار الإيصال المالي مستنداً صحيحاً قانوناً لإثبات التسديد وإنجاز المعاملة ذات الصلة «.. واعتمد النموذج (ص 14) الموجود على الموقع الإلكتروني للوزارة على أن يرفق المكلف إيصال المرجع بالنسبة لاستيفاء إشعار التسديد المنفذ لضمّه إلى المعاملة وبالرغم من كلّ ذلك، لا زال هناك بعض المشاكل التقنية واللوجستية التي تعيق العمل ويجب معالجتها في تسديده إلكترونياً (تتقاضى شركات تحويل الأموال المعتمدة من وزارة المالية رسم طابع لإخراج قيد إفرادي 540,000 ليرة، مفصلاً على الشكل التالي: رسوم 440,000 ليرة ورسم طابع مالي على الطابع المالي 100,000 وبحسب موازنة 2024 التكلفة هي 400,000 بطوابع لاصقة و5000 طابع مختار، أيّ أنّ الشركات المولجة بتأمين هذا النموذج تتقاضى مبالغ إضافية على الرسم الواجب تسديده) بالإضافة إلى أنّ بعض موظفي الإدارات لا يهضمون الإيصال المالي الإلكتروني ويطلبون تأمين الطابع اللاصق لضرورات العمل، وهذا أمر غير مقبول في ظلّ فقدان الطوابع من السوق وإضراب موظفي المالية في الأسابيع الماضية وعلى الدولة تحمّل مسؤولياتها والإسراع في الطباعة وتوزيعها بكميات تزيد عن حاجة السوق أسبوعياً أو شهرياً لتعويض النقص الحاصل حتى تصبح بمتناول يد جميع المواطنين دون استثناء وبالسعر الرسمي، وعليها التصدي بأجهزتها وإداراتها لظاهرة السوق السوداء وملاحقة المستفيدين الذين يزيدون من أعباء المواطن الضَّحية وتبقيه خاضعاً لدفع ضريبة ثمن اهتراء الدولة وعقم وعجز معالجتها ويدور في دوامة البحث عن الطوابع في جوارير تجار السوق الموازي الذين يحسنون تخبئته وضيافته واستغلاله لجني أرباح غير مشروعة حتى الثمالة ويتجرّع المواطن المزيد من الزعاف في زمن يواجه فيه التحديات وظروف الحياة القاسية والفقر والغلاء والحرب والانهيار الاقتصادي وضرائب الموازنة بلحمه الحي.
وأخيراً، إنّ فقدان الطوابع من السوق ليس قدراً، والأزمة فرصة استثنائية للمعالجة عبر دفعه إلكترونياً بشكل دائم ونهائي وبالسعر الرسمي حسب قانون الموازنة العامة، تمهيداً لإلغاء الطوابع اللاصقة لاحقاً بعد انتظام العمل، مما سينعكس حكماً على إيرادات الخزينة بحلول حديثة مبتكرة، وتعزز النظام الضريبي والرقابي وتسهّل على المُكلف تعقُّب معاملاته.