مشروعان… واحد منهما مقتله منه وفيه
صادق القضماني
مما لا شك فيه، أنّ الكيان الصهيوني قاعدة عسكرية قوية وقادرة على إحداث دمار كبير في منطقتنا، فغزة مثال صارخ على الذهنية التي لا تتورّع عن تنفيذ إبادة جماعية لكلّ من تعتبره عدواً، بل لكلّ من تعتقده مشروع عدو في المستقبل، أيّ أنها دهنية تعتبر الشعوب العربية والإسلامية أعداء مفترضين بشكل دائم (قلق المستعمر الدائم من صحوة الشعوب).
بناء على هذا، صرّحت القيادة العسكرية والسياسية للكيان، بأنّ جيشهم لم يستعمل حتى الآن إلا عشرة بالمائة من قوته، وهم جاهزون لفتح أكثر من جبهة، بل يهدّدون بضرب أهداف في إيران، فهل هذا التصريح تهديد حقيقي أو محاولة لكسب الزمن، وتشتيت الانتباه عن نقطة ضعفه التي لا علاج لها، ويخفونها بالعنتريات العسكرية؟
استناداً إلى ما سبق، فإنّ الكيان الصهيوني، يغفل أو يحاول بالتهويل، تجاوز نقطة ضعفه التي تجعل من قوته العسكرية لا تساوي إلا كونها أدوات هجوم فقط، والهجوم يملك عماده أيضاً المحور المقابل.
فالحقيقة تؤكد انّ نقطة ضعفه ككيان وظيفي، بلا أساس أخلاقي، ولا جذر تاريخي، تتمثل في مجتمع مستوطنيه، فمقابل الـ 90% من قوته الباقية حسب زعمه في أيّ حرب إقليمية لا سقوف لها، ولا قواعد اشتباك تحدّدها، يصبح هو على كامل مساحة الأرض المحتلة مائة بالمائة تحت دائرة الاستهداف، بمعنى أدق، يصبح 100% من مجتمع مستوطنيه تحت مرمى مئات آلاف الصواريخ التي ستهاجم أيضاً تحت معادلة مسمّى (الهدف الوجودي) لشعوب المنطقة.
من هذا المنطلق، فإنّ نقطة ضعف الكيان في الميزان الوجودي لا توازن نقاط قوته بل تجعل نقاط قوته الأساسية أساس لاستهداف نقطة ضعفه، فإذا كانت النتيجة النهائية لأيّ حرب كبرى، دماراً كبيراً في المنطقة، فإنّ الكيان هو المرشح للزوال ولن يكون في الخارطة المستقبلية كما هو الآن، على قاعدة البعد الديمغرافي كتعداد سكان، مع عدم إمكانية التعويض أمام ملايين الفلسطينيين أصحاب الأرض والذين يملكون عمق قومي كخزان ديموغرافي وإنساني.
بالاستناد لما سبق، وهي معطيات أساسية، وضعت الخطوط العريضة للقوى التي لها مخططات آنية أو استراتيجية للمنطقة، وعليها ظهر المشروعان المتناقضان، ليس من جانب الحق فقط، بل أيضاً من حيث التخطيط والقدرة على التنفيذ تحت فكرة الاستنزاف.
الأول: المشروع الاستعماري والكيان الإسرائيلي مركزي فيه،
الثاني: المشروع التحرري وزوال «إسرائيل» كقاعدة عسكرية وظيفية أساسي فيه.
إلى الآن لا يملك قادة المشروعين القدرة على التصعيد لحرب شاملة، لعدم القدرة على تحديد أو استشراف شكل ومضمون نهاية الحرب، ومن سيكون المنتصر في المشهد، ولذلك في المشروع الأول نرى تنفيذاً تكتيكياً مرحلياً تحت منطق دمّروا واقتلوا واستعمروا ومن ثم سيطروا على المنطقة، ولا تلتفتوا لصحوة الشعوب، فالمنتصر سيحدّد طريق وشكل ومضمون قرون مقبلة من الزمن وهذا يمثل ذهن الاستعمار الحديث.
والمشروع التحرري المقابل، ثابت على قاعدة، قاوموا واصمدوا واصبروا، فقد عدّ المحور العدة، وتوحد في ساحات استراتيجية، ولا يمكن لها إلا الوفاء بالالتزام الديني والقومي والأخلاقي الوطني، بخوض معركة إحراز النصر بالنقاط لحين تفرض الحرب الكبرى.
في هذا الإطار والذهنية، فإنّ المشروع الصهيو أميركي وأذياله يسعون مع تنفيذ التدمير الممنهج لغزة الآن، لتفكيك كلّ اتفاقيات ومعاهدات السلام المزعومة، بهدف رسم خارطة جديدة للمنطقة على قاعدة مدينة دبي، وهي (استثمارات مركزية لليهود الصهاينة والصهاينة الأميركان لجعل هذه المدن دوائر اقتصادية وكأنها بنك مركزي بسلطة صاحب القرار) مقدمة لتنفيذ تحديد معالم وحدود «دولة إسرائيل الكبرى» المزعومة، وهو هدف سيعمّم بسهولة حين تنفيذ تدمير المنطقة وحلّ جميع الاتفاقيات، التي بالأساس تمّ إقرارها سياسياً في مجلس الأمن وممكن الانتهاء منها في ذات مجلس الأمن. وهذا رهن من سينتصر في صراع الاقطاب الدائرة في العالم.
بطبيعة الحال انّ هذه القراءة لبعض خطط المشروع الاستعماري الجديد، تؤكد بأنّ أساس إمكانية تنفيذه هو بالقضاء على الشرط، حيث نؤكد دائماً بأنّ الشرط يتمثل في محور المقاومة كمؤمنين ذوي بأس شديد، وجميع القوى الوطنية والقومية التي تنتج ذهنية المقاومة في فعلها السياسي والإعلامي والشعبي كمكمل للفعل العسكري المقاوم، وعلى هذا ليس أمام صناع المشروع للتنفيذ إلا حرب بهدف القتل، (تدمير المقاومة وقتل أكبر عدد ممكن من الناس) وتهجير آخرين وتمكين القبضة على من يتبقى، وهذا الجواب على السؤال البديهي، لماذا لم توسّع قوى الاستعمار نطاق تنفيذها تصعيد عسكري؟
هو ذات الشرط لانتصارهم، بات المانع الأهمّ لتحقيق إنجازات ثابته (محور المقاومة).
في ذات الصدد وعلى ذات القاعدة، فإنّ المشروع الثاني كشكل ومضمون وبوصلة يشكل أساس المشروع الأول (الاستعماري)، حتمية زوال «إسرائيل» كشرط لاستئصال مشاريع الغرب الاستعمارية. وهنا يجب التأكيد بأنهم مشروعان لا يمكن أن يتوصلا يوماً إلى اتفاق دائم، فوجود أحدهما مرهون بالخلاص من الآخر.
بناء عليه، إذا اعتمدنا المقارنات بين المشروعين، تكنولوجياً وعسكرياً وحتى سياسياً على مستوى الحكومات، سنرى المشهد بغير صالح محور المقاومة.
واذا اعتمدنا نقاط ضعف الكيان وحده في المشهد، فإنّ ميزان القوة لصالح المحور.
محور المقاومة عبر ساحاته المتعددة عسكرياً، وما يمثل كبيئة حاضنة له على مساحة الأمتين العربية والإسلامية، مقارنة بسبعة ملايين مستوطن في فلسطين يسكن بينهم ما يقارب أيضاً سبعة ملايين فلسطيني، فإنّ ميزان القوة لصالح مئات الملايين من العرب في ايّ نتيجة لحرب وجودية، أساس الانتصار فيها لمن يستطيع بعدها نفض الدمار وإعادة إحياء نبض الحياة في بلاده وهذا لن يكون بقدرة كيان مدمر وغالبية سكانه خارجه بلا عودة أو أموات بفعل الحرب أو ضعفاء الثقة في بيئة قد زرعوا فيها كلّ أسباب دحرهم وإنهاء وظيفة كيانهم، فبعد سقوط الكيان في حقيقته أمام شعوب العالم، وزرع كلّ أسباب الغضب والنقمة كعدو غاصب وكقاتل إرهابي لدى الشعب العربي، نصل لنتيجة، بأنّ ايّ تصعيد لحرب شاملة ورغم الخسائر الكبيرة التي ستتكبّدها دول المنطقة، إلا أنّ «إسرائيل» هذه لن يبقى فيها، إلا ذكرى العقرب المكيود نتنياهو الذي لدغ نفسه وكيانه حين أغشى الله بصيرته وتعاظمت في نفسه عظمة ليست على مقاسه، ليهلك في أحلام كاذبة صنعها أسلافه على حساب أصحاب الأرض، وصدّقها النتن ياهو وما يمثل ليقعوا فيها أمام يقضة سكان المنطقة.
خلاصة الفكرة، لن يستسلم المحور، وسيفاجئ الجميع بما يحمل للأيام المقبلة عسكرياً، وعلى شعبنا العربي تحديداً، أن يتبنّى فعلاً وليس قولاً، بأنّ المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص، والخسارة الوحيدة بعد إنهاء الحرب الكبرى إذا وقعت، هي خسارة حكام وأنظمة تابعة عاثت خراب في كلّ شيء داخل بنيتنا الدينية والاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية في أمتنا جمعاء، مع خسارة الورم السرطاني المسمّى (الكيان الصهيوني)، على قاعدة الثوار الحقيقيين في العصور الإقطاعية، ثوروا فلن تخسروا سوى قيدكم.