بوتين والمرحلة الجديدة في العالم والإقليم
ناصر قنديل
– انتهت الانتخابات الرئاسية الروسية كما كان متوقعاً بفوز ساحق للرئيس فلاديمير بوتين، الذي يتولى هذه الولاية الرئاسية كزعيم للشعب الروسي وليس مجرد رئيس منتخب. فقد حمل ترشيحه هذه المرة صورة التطلعات الروسية باستعادة مكانة الدولة العظمى، والنهوض الاقتصاديّ، والشراكة في رسم معادلات العالم الجديد. وتأتي الرئاسة على خلفية إنجازين كبيرين ملموسين بأعين الروس؛ الأول النجاح في احتواء حزمة العقوبات القاتلة التي صُمّمت لإسقاط الاقتصاد الروسي وتحويلها من تحدّ لقدرة الصمود الى فرصة لتحقيق النهوض؛ والثاني احتواء اصطفاف حلف الناتو في حرب أوكرانيا بكل ماله وسلاحه ومخابراته وتقنياته لإدخال روسيا في حرب استنزاف حتى آخر أوكراني، كما سبق للرئيس بوتين أن قال، وقد نجح الرئيس بوتين بتحويل الحرب الى استنزاف قدرات الناتو المالية والتسليحية والفوز بالانتقال من الدفاع إلى الهجوم.
– تحدّث الرئيس بوتين قبيل الانتخابات عن مكانة روسيا الاقتصادية العالمية وانتقالها إلى مكانة الدولة الأوروبية الأولى في حجم الاقتصاد ودخولها المنافسة على المركز الرابع عالمياً مع اليابان، راسماً خطة نهوض اقتصادية شاملة لولايته الرئاسية، كما تحدّث عن نجاح روسيا بالفوز بالمقعد العالمي الأول عسكرياً على مستوى القدرة النووية، حيث الصواريخ الروسيّة الحاملة للرؤوس النووية لا يمكن منافستها ولا إسقاطها ولا اكتشافها من الترسانة الغربية، لا الآن، ولا خلال عشر سنوات. ووعد الروس بأن دولتهم التي تنافس اليابان على المكانة الرابعة اقتصادياً بعد الصين وأميركا والهند، لن تسمح لأحد بمنافستها على المكانة الأولى عسكرياً.
– من هذا الموقع الاقتصادي والعسكري يتقدّم الرئيس بوتين لمتابعة ما سبق وقام بتأسيسه لمقاربات روسيا للقضايا العالميّة والإقليميّة، وأمامه ملفان كبيران، الأول ملف النظام العالمي المتعدد القطبية، من بوابة حرب أوكرانيا التي ترسم على إيقاعها معادلات أوروبية جديدة، وتُعاد ضمنها صياغة العلاقة الأميركية الأوروبية، وبعقل بارد يخاطب بوتين الأشقاء السابقين في أوروبا الشرقية لفتح الباب الخلفي لاستعادة الدفء إلى العلاقات بلغة المصالح واضعاً بريطانيا وألمانيا وفرنسا على طاولة التشريح. أما الملف الثاني فهو ملف الجنوب الروسيّ الذي يبدأ من تركيا وينتهي بعُمان، وفي قلبه إيران ومصر والسعودية، وحرب غزة وحرب سورية. وبعقل بارد أيضاً يقارب التشاطر والتذاكي التركي، سعياً لحسم الأمور والمواقع والأدوار من بوابة سورية، ويدخل إلى حرب غزة من باب وحدة الموقف الفلسطيني الذي تمّ فتحه في حوارات موسكو، ويتعرّض لمحاولات تخريب، سرعان ما سوف تجد التعامل الروسي المناسب لإعادة الأمور إلى نصابها. فحرب غزة هي فرصة تاريخيّة لقيام دولة فلسطينية بمقاييس الدولة ذات السيادة على الضفة الغربية وغزة وعاصمتها القدس الشرقية، ولا يجوز أن تضيع هذه الفرصة.
– في وقت تتجه خلاله أميركا لافتتاح انتخاباتها الرئاسيّة بخطاب المرشح دونالد ترامب عن أنهر دماء تنتظر الأميركيّين واحتمال عدم الوصول إلى رئيس منتخب معترف بشرعيّته، ومخاطر الوقوع في الحرب الأهليّة، وفي كل الأحوال ينتظرها التقهقر والتراجع والضعف، تخرج روسيا من انتخاباتها إلى الصعود والنهوض.