عرقلة وقف النار أسباب ومعطيات…؟
} د. حسن مرهج*
مع استمرار الحرب في غزة، يستمرّ الحديث حتى اللحظة عن التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، ورغم التوقعات السابقة لجهة إقرار وقف إطلاق النار قبيل شهر رمضان المبارك، إلا أنّ الوقائع تُشير إلى عرقلة واضحة لوقف الحرب في غزة، لا سيما من قبل الولايات المتحدة أولاً، والتي تسعى لإعادة هيمنتها المفقودة في المنطقة، وتواطؤ عربي خليجي، فضلاً عن فشل محاولات المجتمع الدولي والأمم المتحدة بإقرار تسوية سياسية طويلة الأمد للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وضمن ذلك، ومع وصول الحرب في غزة إلى هذا الحدّ من التشابك والتعقيد، يبدو أنّ إقرار وقف إطلاق النار سيصطدم بالكثير من المعوقات.
منذ بدء الحرب على غزة، وبصرف النظر عن سرديات حماس وما يقابلها من السرديات «الإسرائيلية»، إلا أنّ الولايات المتحدة كانت تسعى من خلال سياساتها إلى إطالة أمد الحرب في غزة، وهذا يعكس الرغبة الأميركية في توظيف تلك الحرب سياسياً وعسكرياً، عبر إعادة فرض سيطرتها على الواقع الإقليمي، والتحكم بمسار وحجم العمليات العسكرية الإسرائيلية، بما لا يُشكل عبئاً إضافياً على ترسانة الأسلحة الأميركية، لكن ضمن ذلك فإنّ مسار العمليات العسكرية في غزة، تطور ووصل الأمر إلى حدّ تهديد الاستراتيجيات الأميركية في عموم المنطقة.
الولايات المتحدة ورغم جولات المفاوضات المتعددة سواء بطابعها الإقليمي أو الدولي، إلا أنّ واشنطن فشلت في تحقيق معادلة وقف إطلاق النار أو إقرار هدنة مؤقتة، وعلى الرغم من أنّ واشنطن وجهت انتقادات حادة لـ نتنياهو، لكن في المقابل فإنّ واشنطن وعلى مبدأ ذرّ الرماد في العيون فقد حاولت تحميل فشل المفاوضات إلى الفلسطينيين، وهذا يعكس أيضاً جوهر السياسات الأميركية لجهة القول بأنّ الفصائل الفلسطينية لا تأبه لمآسي الشعب الفلسطيني، وتضع شروطاً تعجيزية، وهو أيضاً ما تحاول وسائل إعلام غربية وحتى عربية كثيرة تسويقه للرأي العام.
الأمر الهامّ الذي لا ينبغي إغفاله، هو أنّ مسار المفاوضات يجب أن ينتهي ضمن معادلات جديدة تُهيّئ لحلّ مستدام، ولا ينبغي بأيّ حال من الأحوال، استمرار الصراع الفلسطيني «الإسرائيلي» بهذا الشكل الذي يُهدّد كامل الإقليم، وأن يُترك للشعب الفلسطيني حق تقرير مصيره، والأهمّ منع تكرار الحرب في غزة، ولا يجوز في هذا الإطار تحميل الفصائل الفلسطينية مسؤولية تعثر المفاوضات الرامية إلى وقف إطلاق النار، بل ثمة مسؤوليات مشتركة إقليمية ودولية حيال ذلك، وربطاً بما سبق، فإنّ على الفلسطينيين الابتعاد عن حالة الخلاف السياسي، ووضع مصالح الشعب الفلسطيني هدفاً ينبغي تحقيقه.
ومن المهمّ الإشارة، إلى أنّ لقاء موسكو للفصائل الفلسطينية، استطاعت من خلاله «إسرائيل» أن تستثمر حالة الانقسام الفلسطيني بشتى الطرق، وكان هذا الاستثمار أداة أساسية في إعاقة حلّ القضية الفلسطينية، وربما كان المثال الأبرز على ذلك هو محاولات حصر تمثيل الشعب الفلسطيني بهياكل سياسية كتلك التي نتجت عن اتفاق أوسلو، وكان الشقاق الفلسطيني وغياب تمثيل قوى سياسية أساسية داخل منظمة التحرير الفلسطينية عاملاً لا ينبغي إهماله عند الحديث حول المحاولات الإسرائيلية والأميركية في إعاقة حلّ القضية، فمنظمة التحرير تتمتع حتى اللحظة بصفة الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني بنظر المجتمع الدولي والأمم المتحدة، ولم تنعكس التغيّرات الكبيرة التي شهدها المشهد السياسي الفلسطيني كما ينبغي داخل هذه المنظمة، وأصبح من الممكن اليوم بالنسبة للولايات المتحدة أن توقف أيّ مساعي للحل بحجة غياب موقف فلسطيني واحد.
اللقاء في موسكو أعطى أملاً في إمكانية تجاوز مسألة الخلاف الفلسطيني الفلسطيني، لكن تبقى المشكلة الكبرى بالنسبة لـ «إسرائيل» والولايات المتحدة أن المحاولات الروسية كانت قد بدأت قبل سنوات، لكن الظرف الذي نعيشه اليوم بات يساعد في إنضاج حلّ هذه المسألة، ومن جهة ثانية يبدو الوصول إلى تهدئة أصبح أكثر إلحاحاً، إذ ليس من الصعب الاستنتاج أن السلوك الأميركي خلال الأشهر الماضية كان عاملاً مساعداً على تقريب وجهات النظر بين الفصائل، ما يعني أنّ استمرار الوضع الحالي لفترة أطول يمكن أن يزيد من سرعة هذه العملية.
واقع الحال يؤكد بأنّ روسيا تسعى بداية لإنجاح المصالحة الفلسطينية، ومن ثم الانتقال إلى تسوية سياسية مستدامة تضمن حقوق الشعب الفلسطيني، وقد تكون محاولات روسيا في هذا الإطار، طوق نجاة للولايات المتحدة و»إسرائيل» على السواء، فـ واشنطن لم تعد قادرة على أداء دور الوسيط المحايد في هذا الصراع، ولم تعد أيضاً قادرة على إقناع الرأي العام العالمي بأنها ترغب حقيقةً في إيقاف الحرب، أو مساعدة الشعب الفلسطيني على تجاوز مآسيه، وبذلك فإنّ روسيا تعود بقوة إلى واجهة الحدث الأبرز في الشرق الأوسط، فهل تنجح روسيا في انتزاع الصدارة من الولايات المتحدة؟
*خبير الشؤون السورية والشرق أوسطية