أوكرانيا والانهيار القريب
عندما تنقل صحيفة أميركية هي بوليتيكو كلاماً للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون خلال اجتماع ضمّه مع مفوض شؤون السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل ومسؤولين أوروبيين آخرين، يقول فيه إن انهيار أوكرانيا بات وشيكاً. ويعقب بوريل بأن مواجهة هذا الخطر تستدعي استنفاراً أوروبياً، فهذا يعني ان العالم عشية تحول تاريخي كبير.
هذا الانهيار الوشيك يعني أن الغرب فقد القدرة على مواجهة تحدي الصعود الروسي على المسرح العالمي، والأوروبي بشكل خاص، لأن الرهان الأول على حزمة العقوبات القاتلة لدفع روسيا نحو الإفلاس وعملتها نحو الانهيار أصاب أوروبا بالتراجع والانكماش والركود وارتفاع الأسعار ووفر لروسيا فرصة نموذجية للنهوض مكّنتها من احتلال المركز الأول بين الدول الأوروبية لعام 2023 على الصعيد الاقتصادي. والرهان على تمويل أوكرانيا وتسليحها لتشكيل جدار صد بوجه روسيا، دخل مرحلة السقوط ولم يفلح في تحقيق هذا الهدف، وباتت أوروبا مكشوفة أمام سطوة روسية بقبضة حديدية، بعدما نفدت ذخائر أوكرانيا ولم يعد في مستودعات الغرب ما يمكن له أن يُصلح الحال.
انهيار أوكرانيا يعني أن أميركا التي قال أبرز منظريها الاستراتيجيين زبيغنيو بريجنسكي أن روسيا بدون أوكرانيا دولة كبرى، لكنها مع أوكرانيا دولة عظمى، يجب أن تستعدّ لتحدّ من نوع آخر. أهم ما فيه أن أوروبا تنظر مذعورة من الآن، لما تشعره دول المنطقة من فشل أميركي في توفير الحماية، ومن عجز عن مواجهة التحديات. وبالتالي سلوك طريق التأقلم مع القوة الصاعدة، ومثلما توجهت دول المنطقة لمصالحة إيران والتفاهم معها، سوف تتجه أوروبا نحو روسيا أو تبدأ عملية فك وتركيب سياسية تحمل نخباً مستعدة لفعل ذلك.
الغرب دون أوكرانيا يعني أن الطريق نحو أميركا دون أوروبا بات سالكاً، وأميركا دون أوروبا يعني أميركا أطلسية لا عالمية، وهي تبدو كذلك في مشهد المنطقة مع الاتجاه الراجح لتراجع مكانة كيان الاحتلال سواء مضى في طريق الحرب أم اتجه لقبول اتفاق يعلم انه اعتراف بالهزيمة. وأميركا الأطلسية بدون أوروبا دولة كبرى، لكنها مع أوروبا دولة عظمى.
العالم عشية تحوّلات تاريخية كبرى. وللمرة الأولى تلعب منطقتنا وحركات التحرر فيها دوراً محورياً في صناعة المشهد الدولي الجديد، وقوى المقاومة تكتب منذ المواجهة دفاعاً عن سورية، فصولاً جديدة في هذا المشهد الجديد، وسوف تبقى اللوحة الأخيرة في هذا المشهد سورية بامتياز، سواء شمالاً أم جنوباً، لأن أول تداعيات ما يحمله المشهد الأوكراني سوف تكون في سورية، حيث يتواجد الأميركي في مقابل الروسي وعليه أن يتراجع.
التعليق السياسي