الثقة بالله مفتاح الفرج والنصر على الصهاينة آتٍ وبات قريباً
سارة طالب السهيل
تموج منطقتنا العربية بالكثير من الأحداث الدامية والمؤسفة سياساً واقتصادياً وأمنياً، بفعل مخططات شيطانية غير خافية على شعوبنا، ولكن كل هذه المخططات تجري بقدر الله إنْ شاء نفذت وإنْ شاء أبطلها، لكن وسائل التواصل الاجتماعي (وأحيانا بلا وعي نكون جزءاً منها) لا تكفّ عن إثارة الخوف في قلوب الناس من المستقبل، ومن الزلازل والكوارث الطبيعية، وعن انتظار تفكيك المنطقة العربية وتدميرها.
ناهيك عن ما تبثه قنوات اليوتيوب من توقعات المنجّمين والعرّافين والمدّعين بالحدس والإلهام، وكلّ توقعاتهم تبعث في النفوس الإحباط والقنوط واليأس من المستقبل بالمخالفة لما جاءت بها الشرائع السماوية من الثقة بالله والأمل والرجاء في ما عنده من خير.
فالحديث القدسي المتفق عليه، قال النبي: يقول الله تعالى: (أنا عند ظنّ عبدي بي) الظن هنا بمعنى اليقين وكمال الثقة بالله أن يجبرنا في الشدائد، ويلطف بنا في الاختبارات الحياتية التي نمرّ بها من آن لآخر، ويرزقنا عند الحاجة، ويشفينا عند المرض، ويفرح قلوبنا عند الحزن، ويعوّضنا ما فقدناه بكرمه القديم، ويغفر لنا عند المعصية.
فالثقة بالله تعني الأمل الذي لا ينقطع والرجاء الذي لا يخيب، وهناك الكثير من قصص الأنبياء الواردة في القرآن الكريم ما يكرّس هذا الأمل، وهذه الثقة بالخالق العظيم، فقد ردّ الله سيدنا يوسف على أبيه يعقوب، وأعاد نبي الله موسى إلى أمه كي تقرّ عينها ولا تحزن، وغير ذلك الكثير…
وفي واقعنا المعاصر الكثير من التجارب التي غيّر فيها الله أحوالنا من الشدة إلى الفرج فقط؛ بسبب ثقتنا برحمته وكرمه على خلقه. حكت لي صديقة أنها كانت تعاني كورونا في بداية ظهورها، وشاهدت رؤيا أنها ستموت وهي مسلمة لأمر الله وقضائه، لكنها طلبت من الله أن يحييها لتربي صغيرها وفعلاً أحياها الله من بعد موت محقق.
وصديقة أخرى مرت بضائقة مالية، في الوقت الذي تعاني فيه من آلام شديدة في أسنانها لشهور طويلة، وما معها من أموال يكفي للمعيشة فقط، وليس للعلاج فصبرت على الآلام المبرحة حتى اشتدّ عليها الحال، فبكت من حرقة الألم، وقالت له يا ربي يقيني أنك رحمن رحيم وأنت الشافي وحدك، فأشفيني ليس ربي سواك أدعوه فيجبني ويرحمني، وفوراً فوجئت بعد الدعاء بتوقف الألم، وأنّ الله استجاب دعاءها وهي في حال المضطر.
شهداء غزة يتساقطون واحداً تلو الآخر شيخاً ورجلاً وامرأة وطفلاً وقلوبنا تدمع لما تعرّضوا له من غدر على أيدي الصهاينة، ولكن الله قدر لهم مستقبلاً جميلاً فهم شهداء وأحياء عند ربهم يرزقون، واختار الله لهم أن يتحمّلوا عن الأمة من جوع وعطش وحصار ما لا تستطيع باقي الأمة الإسلامية تحمّله، لأنهم أهل إيمان وصفوة مختارة منه عباده.
وكأنهم فداء يسوع المسيح لشعبه.
ولولا ما تعرّض له شعب غزة من مآسٍ ما تفجرت عيون شرفاء العالم بالدموع، ولما تسابقت الدول للنجدة وتقديم المساعدة، إنها الأزمة التي تفجر طاقات الإنسان الداخلية، وتكشف معدنه الحقيقي، ويكفي الكثير من شعوبنا العربية وهي عاجزة عن نجدة أهل غزة قد نسوا آلامهم ومشاكلهم الشخصية، ويكادون يتفرّغون للدعاء لأهل غزة، وليس الدّعاء لأنفسهم.
وتجربة الشعب الفلسطيني الصامد على أرضه، رغم ما يكابده من قتل وتدمير وحصار وتجويع طوال أكثر من سبعين عاماً، ما في جملتها إلا الصبر الجميل والأمل في الله، حتى يأتيهم بالفرج والنصر على الصهاينة، ولولا هذا الأمل والثقة بالله لأبيد الشعب الفلسطيني، وصار تاريخاً ماضياً.
أكبر مصدر للطاقة الإيجابية في الحياة هو في حسن الظن بالله، يبعث فينا أعلى درجات التفاؤل، ويفجّر بداخلنا الطاقات الإيجابية اللازمة لاستمرارنا على الأرض نعمرها ونكون أهلاً للخلافة عليها، وهذه الطاقة الإيجابية التي نستمدّها من الثقة بالله هي المصدر الرئيسي للصبر على الابتلاءات وتحمُّل الصعاب.
الصالحون، ومنهم ولي الله أبو الحسن الشاذلي يدعو الله بهذا الدعاء البديع إلهي الأمل إلهي الإجابة من أجاب نوحاً في قومه، ونصر إبراهيم على أعدائه، وأجاب دعوة زكريا، وقبل تسبيح يونس بن متى أن تقبل ما به دعوناك، أن تنجز لنا وعدك الذي وعدته لعبادك الصالحين، أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.
يا غارة الله جدي السير مسرعة في حلّ عقدتنا
يا غارة الله عدي العادين وجاروا
ورجوت الله مجيراً، وكفى بالله ولياً وكفى بالله نصيرا.
فالأمل في الله في كلّ نفس نتنفسه بالحياة، وهو يجيب دعوة المضطر، بل لأنّ المولى عز وجلّ حذرنا من اليأس والقنوط، وقال في محكم كتابه (يا أيها الذين آمنوا لا تقنطوا من رحمة الله. يجعل الله تعالى بعد العسر يسراً، لجعل مع العسر يسراً، أي أنّ اليسر مصاحب للعسر، فما أجمل رحمتك يا الله.
وقال الله تعالى في حديث قدسي (دعوني وخلقي لو خلقتموهم لرحمتموهم) فسبحانك اللهم أهل المغفرة والعفو، وهو أدرى بما يصلحنا، قد يشتدّ البلاء علينا في مواقف كثيرة، لكن في باطن هذا البلاء رحمة الله التي قد ندركها لاحقاً، ودعانا نبيّنا المصطفى إلى التفاؤل، ونهانا عن التشاؤم لقوله: (بشروا ولا تنفروا) كان المصطفى يدعو إلى الفأل الحسن، وغرس الأمل في النفوس؛ هو أساس وركيزة في الأديان السماوية، فعلينا محاربة كلّ أشكال اليأس الإحباط والقنوط، تقوية صلتنا بخالقنا لمنع تسرب القلق إلى أنفسنا.
ولنا في الشهر الرمضاني الكريم أكبر فرصة لكي نستعيد توازننا النفسي، ونقترب من خالقنا وبالإحسان لخلق الله بالحب والعطاء والرحمة والتراحم، وكلّ ذلك من عوامل جذب الطاقات الإيجابية التي تعزز ثقتنا بالله، وهي الثقة التي تمنحنا القوة على العمل والنشاط والمثابرة والتفوق والنهوض بأنفسنا وبأوطاننا.
فكم منا أصيب بمرض عضال، وعاش بالأمل في الله أن يشفيه، وقد شفاه الله، وكم من مقدر عليه في الرزق انتظر الفرج من الله أن يوسع في رزقه، وقد أجابه الله إيمانا منه بالآية الكريمة (وإذا مرضت فهو يشفين) الشعراء 80.
إنه الإيمان بالله وبآياته والثقة بالله بوعده لعباده المؤمنين تحقق المستحيل، واليقين به برحمته وكرمه في تفجير طاقاتنا الإيجابية لتحقيق أحلامنا، خاصة وأنه لا مستحيل مع الرب العلي القدير فقط نثق بربنا، ونتضرّع إليه في الشدائد، ونشكره في المسرّات…