الحقبة البوتينية الجديدة ومخاوف الغرب…
رنا العفيف
ربع قرن على البوتينية وما زال حضور روسيا في العالم وعلى الساحة الدولية قوياً، كيف استطاع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إعادة إحياء روسيا؟ وماذا عن قلق الغرب وخوف الأطلسي الأميركي من ترسيخ حكم بوتين؟
بالرغم من عوامل سياسية واقتصادية الكثيرة، ساهمت في إعادة روسيا إلى الساحة الدولية بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، لكن لا يمكن غضّ النظر أو فصل مجهود وقيادة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن حضوره القوي في ظلّ الصراع القائم مع الغرب الأطلسي والحرب على روسيا وشيطنة شخصه على وجه الخصوص، خاصة بعد فوزه بالولاية الخامسة، إذ كان يدرك تماماً صعوبة مهمته في بناء روسيا العظيمة المتجددة…
اليوم حظيَ بدعم شعبي كبير فاق سقف التوقعات باستمراره في الحكم، وعليه بعد الانتخابات الرئاسية التي استمرّت منذ يوم الجمعة حتى يوم الأحد وكانت نتائج ذلك التي حصل على أكثر من 88% من الأصوات، بالتوازي مع الغارات التي شنتها أوكرانيا بالطائرات المُسيّرة والصواريخ الأميركية وهي إحدى أوسع هجماتها منذ بدء الحرب، في ما موسكو توعّدت كييف بالعقاب، إضافة للشعب الذي أكد على الخيارات التي اتخذها الرئيس بوتين بعد تجدّد ولايته،
إذا نظرنا بشكل تفصيلي إلى الأرقام التي حصل عليها بوتين نجد بأنّ ذلك كان مفاجئاً للغرب وللداخل الروسي، لا سيما بأنّ هذه الأرقام أدّت مهمة وظيفية مختلفة عن كونها أرقام كبيرة تدلّ على صوابية سياسة الرئيس الروسي التي اعتمدها في العلاقات الخارجية وسط الصراع الداخلي، أيّ ما بين القوة التي تمثل منها الفعاليات الروسية وهم على خط نهج بوتين بتصدّيه للغرب، وكذا بقطع العلاقة تدريجياً مع الغرب وصولاً للتوجه شرقاً، وطبعاً هذا يحتاج لوقت طويل من الصبر وبذل الجهد الذي تضامن معه الشعب الروسي واستقبله بكلّ حفاوة ووافق عليه واحتضن خيارات الرئيس الروسي من خلال تكليفه بوكالة الفوز التي هي فعلياً عملية لاستكمال مهماته وخطه السياسي الخارجي والداخلي وطبعاً هذه مسؤولية كبيرة على عاتق الرجل القوي بوتين وهو في خضمّ مواجهة كبيرة ليس فقط بالخارج وإنما مع حلف الناتو، على اعتبار خاصية رفع شعار تعدد الأقطاب الذي ربما سيدخل حيّز التنفيذ بعد فوزه بالانتخابات مؤكدة، وبالتالي ستكون هناك مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة الأميركية مؤكداً بقوله أن عصرها قد انتهى ولا يمكن استمرار مصّ الدماء من قبل هؤلاء وإنْ كان في أوروبا وغيرها، ما يعني هناك خطوات في جدول بوتين الجديد بعد فوزه تمثل الكثير من الدعم للمنظمات الإقليمية التي تبنتها روسيا كـ شنغهاي وبريكس إضافة لمنظمة دول المستقلة بالإضافة إلى ترتيب العلاقات الثنائية المهمة التي ربما يندفع بها نحو الأعلى بشكل تسلسلي ومنها التي كانت مثلاً تعيق موازين القوى سواء على صعيد الداخل أو الخارج، لذلك فإنّ بوتين أمام مسؤولية جديدة وكبيرة أمام تركيبة نظام العالم الجديد بحسب توقيت الحقبة البوتينية الجديدة المتمثلة بشخصية قوية، كي لا تقف عائقاً أمام التحوّلات التي طرحها، خاصة تلك التي تتوجه شرقاً والتي لها ارتباط وثيق بالعلاقات الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المجتمع الروسي عموماً، وبالتالي يكون بوتين أمام عمل مزدوج، داخلي وخارجي، قد يكون له ارتباط وثيق بالربح والخسارة في أوكرانيا، وكلتا الحالتين أيّ في حال الخسارة أو الربح سيعود سلباً أم إيجاباً على روسيا وعلى أوروبا والناتو بشكل عام،
في مقابل ذلك بوتين اليوم يملك إقراراً بالوكالة الكبيرة التي حصل عليها التي ستعيد النظر والتفكير في الكثير من ترتيب الأوراق السياسية في الكثير من الدول وبعلاقاتها مع روسيا، وتحديداً تلك الدول التي كانت متردّدة سياسياً بفتح علاقاتها مع (روسيا بوتين)، انطلاقاً من هذة النقطة الحساسة يكمن خوف الغرب والأطلس وعلى رأسها الولايات خشية حضور روسيا القوي وسط حضور بوتين في ظلّ الصراع مع الغرب والحرب على روسيا، وضمن تجدّد الخيارات في أوراق الوكالة الجديدة لبوتين في ولايته الخامسة مع الإشارة للإنجازات السابقة والآتية التي ستنضمّ في ما بعد وكان من أهمّ الإنجازات في المشهد السياسي لبوتين عام 2014 عندما أعلنت روسيا ضمّ شبه جزيرة القرم إلى الاتحاد الروسي وفي ولايته الجديدة اليوم يحذر الغرب من مغبة الحرب العالمية الثالثة حيال الحرب مع أوكرانيا وتلك الخطوات التي تصدر عن حلف الأطلسي وعن إمكانية ماكرون بدخول قوات برية والتعرّض لكييف، إلا أنّ معرض الردّ جاء بقول بوتين على هكذا تصرفات صبيانية إذا تجرّأ الغرب على المشاركة المباشرة وهو طبعاً شريك جزئي، ولكن إذا كان هناك سعي للمشاركة فعلياً فسيؤدّي إلى نشوب حرب عالمية ثالثة، لذا الغرب اليوم يحاول شيطنة شخص الرئيس الروسي في محاولة لزعزعة الأمن الداخلي لخلق بلبلة وهناك عدة محاولات،
أما في ما يخص ركائز بوتين في عملية إحياء روسيا كان هناك وقائع سياسية بارزة في إعادة البناء وتلف جميع الوصايا الغربية المتعلقة بالديمقراطية والانفتاح وغيرها من التبعية ورأى البعض الفارق الكبير بين روسيا بوتين وبين روسيا يلتسين الاستبداد والديكتاتورية الداعم للغرب ووصاياهم، إذ قام بوتين برفض كلّ هذه الأمور واعتمد على إعادة بناء الدولة بعدأن كانت جميع ركائزها رهان للسوق الغربي،
إذن نحن أمام مرحلة جديدة ربما هي صعبة قد تشهد تحوّلات أسياسية معظمها بناء في الداخل الروسي وهذا سيعكس إيجابيات على الساحة الدولية وذلك من خلال معطيات حكم بوتين الجديد على مستوى الجبهات كافة…