كيف نجحت المقاومة بإغراق جيش الاحتلال في وحل غزة؟
حسن حردان
فاجأت المقاومة، العدو والصديق، بقدرتها على الصمود ومواصلة القتال كلّ هذه الفترة الطويلة (6 أشهر) وأربكت خطط جيش الاحتلال وأغرقته في وحل غزة، وأحبطت رهانات كلّ من تل أبيب وواشنطن، على نفاذ مخزون المقاومة من الذخيرة والغذاء والدواء، الأمر الذي أصاب رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو وحليفه الصهيوني الرئيس الأميركي جو بايدن بصدمة وذهول من شدة وقوة المقاومة في الميدان، وصلابة موقفها في المفاوضات غير المباشرة حول شروط تبادل الأسرى.. ورفضها ايّ اتفاق إذا لم يضمن وقفاً شاملاً للنار وانسحاب قوات الاحتلال من القطاع وفك الحصار وإطلاق الأسرى والبدء بإعادة الإعمار إلخ…
لكن من خلال التدقيق في خلفيات قدرة المقاومة على مواصلة القتال وعدم ظهور ايّ مؤشرات على ضعف او تراجع في قدراتها، وبالتالي ثباتها وتمسكها بثوابت موقفها ورفض تقديم التنازلات، في المفاوضات، ومنع العدو من تحقيق أهدافه في ميدان القتال، إنما يعود إلى توافر العوامل التالية:
العامل الأول، توافر قيادة للمقاومة امتلكت رؤية ثورية، درست تجربة المقاومة الفلسطينية في كلّ المراحل السابقة بكلّ إيجابياتها وسلبياتها، وتفحّصت تجارب الثورات الشعبية الظافرة المسلحة في مواجهة الاحتلال والاستعمار، وكيف نجحت في تحقيق الانتصارات وتحرير بلدانها رغم الفارق الكبير في موازين القوى…
العامل الثاني، استعداد وجاهزية المقاومة لخوض حرب طويلة النفس، وتوفير المستلزمات الضرورية لذلك…
العامل الثالث، العمل جيداً على إيجاد حلّ للمعضلة الجغرافية لقطاع غزة، التي لا تتلاءم مع حرب العصابات، حيث لا وجود لجبال ومناطق وعرة او غابات كثيفة، وهو ما يجعل القطاع منطقة شبه مسطحة ومكشوفة تماماً لطيران العدو بكلّ أنواعه، ولهذا عمدت المقاومة إلى الاستفادة من تجربة الثورات التي بنت قرى تحت الأرض لاتقاء قصف طيران العدو، ونجحت المقاومة في بناء مدينة متطورة من الأنفاق تحت قطاع غزة، مكنت المقاومة من تصنيع سلاحها، ومعالجة جرحاها، وتخرين احتياجاتها، كما مكنت مقاتليها من شن الهجمات ضدّ قوات الاحتلال والعودة إليها، مما حمى بنية المقاومة التحتية من قصف الطيران والمدفعية الصهيونية، وحال دون قدرة العدو على النيل من المقاومة وبنيتها العسكرية..
العامل الرابع، بناء قوة عسكرية مدرّبة جيداً على خوض حرب الشعب وحرب المدن والعصابات ضد جيش احتلال مجهّز بأحدث الأسلحة والتقنيات العسكرية.. وبالتالي إيجاد الوسائل التي تمكن المقاومين من أبطال مفعول هذه التقنيات التي يعتمد عليها جيش الاحتلال بشكل كبير..
انطلاقاً مما تقدّم، يمكن تفسير أسباب فشل جيش الاحتلال في تحقيق أيّ من أهدافه، ودخوله في حالة من التخبّط في عدوانه حيث بات يضرب خبط عشواء، ويلجأ إلى استهداف المدنيين للتعويض عن فشله وإخفاقه في مواجهة المقاومة، في محاولة يائسة للنيل من التلاحم بين الشعب والمقاومة.. وهو ما فشل فيه، رغم المجازر المروعة التي ارتكبها ولا يزال ضدّ الأطفال والنساء، والشيوخ وتدمير المنازل فوق ساكنيها، في مشهد بات يضاهي ما ارتكبته النازية الفاشية من مجازر في الحرب العالمية..
ولهذا أصبح جيش الاحتلال يراوح مكانه، والقادة العسكريون الصهاينة باتوا يرون أن لا أهداف يحققها جيشهم من وراء الاستمرار في القتال، وهو حسب كلّ الخبراء قد غرق فعلياً في وحل غزة، وكلّ يوم يستمرّ في هذا الغرق ولا يسعى الى الخروج منه فإنه يدفع ثمناً كبيراً نتيجة قوة المقاومة وتكتيكاتها الناجحة في شنّ حرب المدن وحرب العصابات، التي تشمل نصب الكمائن لجنود العدو وقنصهم، وقصف مواقع تمركزهم واستهداف المباني التي يلجأون اليها بقذائف خارقة للتحصينات، واصطياد دبابات ومدرّعات العدو بقذائف الياسين 105 وقذائف الباندوم..
من هنا يمكن لنا تفسير أسباب استمرار المقاومة وقوتها التي لم تضعف، ولماذا أخفق جيش الاحتلال في تحقيق أهدافه، وعجزت كلّ من تل أبيب وواشنطن في فرض شروطهما في المفاوضات غير المباشرة…