«إسرائيل» سقطت…
منجد شريف
تستمرّ وتيرة التصعيد الإسرائيلي في حربها على غزة… ولبنان، ومنذ اللحظة الأولى لطوفان الأقصى تستخدم «إسرائيل» كلّ تفوّقها الجوي والتكنولوجي من أجل التعويض عن حجم الضرر المعنوي الكبير الذي أَلمَّ بجيشها ومجتمعها، وبالرغم من حرب الإبادة والتجويع التي تخوضها ضدّ الشعب الفلسطيني الأعزل، وبالرغم من سقوط أكثر من ثلاثين ألف شهيد فلسطيني في غزة، وأيضاً في الضفة الغربية ولبنان، وعلى وقع المظاهرات المندّدة في كلّ أصقاع العالم، وسقوط كلّ المزاعم «الإسرائيلية» في بدعة «الدفاع عن النفس»، لا تزال آلة القتل مستمرة وخلفها الدعم المطلق، مما يجعلنا أمام حقيقة ثابتة لا مفرّ منها، ان «إسرائيل» هي اليد الاستعمارية الكبرى، فالاستعمار خرج من المنطقة العربية شكلاً ولكنه لا يزال فيها مضموناً من خلال ذلك الكيان الغاصب.
ستة أشهر لم تكن كافية لتشبع نتنياهو وحكومته اليمينية العنصرية المتطرفة من عطش الدم والإجرام، وخلالها سقطت كلّ المزاعم الغربية في «الدفاع» عن حقوق الإنسان وغيرها من البدع في حقّ الطفولة ويوم المرأة العالمي وخلافها من المناسبات الطنانة الرنانة، التي أشاعوها للتعمية عن حقيقتهم في تقديم المصالح فوق كلّ اعتبار آخر، ودعم كيان مجرم مؤدلج على مفهوم «الحق للقوة»، و»الغاية تبّرر الوسيلة»، تخاريف نشطوا فيها خلال السبي البابلي وبعده ودأبوا على نسجها في أساطير خيالية، حتى جعلوا من أنفسهم «شعب الله المختار» والله منهم براء، فكان أن استهانوا بكلّ الأمم والشعوب، وأمعنوا فيها قتلاً وتدميراً، من خلال عملائهم الذين أوْصلوهم بالمكر والخداع والتآمر، فاستولوا على مراكز القرار في غالبية الدول الغربية، وهذا ما يفسّر اليوم الدعم المطلق لهم منها، في أشنع حرب في التاريخ والتي تفوّقت على الإجرام النازي بحقهم كما يزعمون…!
وربما إذا أمعنّا النظر في دراسة التاريخ لوجدنا أنهم كانوا خلف تلك الخديعة (المحرقة)، ليبتزوا بها العالم أجمع، بإسم «المظلومية» و»الدفاع عن النفس» حتى هذا اليوم.
إغتصبوا أرض فلسطين باسم «الحق» الديني والتاريخي وما زالوا يقضمون منها دون أيّ رادع أو مانع سوى زنود أولئك الأبطال الأحرار المقاومين من مختلف البلدان العربية المناوئة والمقاومة لغطرستهم وشبقهم الإجرامي.
تخوض غزة ومعها كلّ فلسطين بالنيابة عن كلّ العرب حرباً وجودية لم يسبق لها مثيل في التاريخ، بعدما تنصّل من كان الأوْلى بهم مناصرتها، فصارت مواسم الفرح في بلدان يُقال إنها شقيقة، تزامن هدير الطائرات الحربية وأصوات المدافع والصواريخ والدمار، فتحوّلت فلسطين ولبنان إلى مرمى للأهداف، ومعمودية نار ينفذها طيران العدو بشكل يومي، لينفذ كلّ مخططاته في تصفية القيادات العسكرية في المقاومة الفلسطينية واللبنانية، في عملية تصفية حسابات مع من ناصروا القضية الفلسطينية، من باقي الجبهات لا سيما مع لبنان، الذي لم تتردّد مقاومته للتدخل منذ اللحظة الأولى للذوْد عن شرف الأمة وشرف كلّ إنسان حر، فكان ذلك التلاحم الأسطوري لمناصرة الحق بوجه الباطل، والمحزن تلك الأصوات النشاز في الداخل اللبناني، والتي لا تعدو كونها ضجيجاً في خزان، لأنّ صوت الحقّ أعلى بكثير، فلسنا أوطاناً منفصلة عن بعضها وإنْ جزأتنا سايكس ـ بيكو لتمعن بعدها في الاستفراد بكلّ بلد على حدة، لتضمن ضعفنا واستكانتنا وتسليم أمرنا لعدو لدود لا يفقه سوى القتل والتدمير لغة وأسلوب حياة، ومهما تذاكى البعض في اعتبار أنّ الحدود الجغرافية ستصنع حدوداً نفسية بين أبناء الأمة فهو واهم، فكلّ شبر من البلاد العربية هي أرض لكلّ عربي، وكلّ مساس بأيّ من أبناء الأمة هو مساس بالجميع، هذا هو الردّ الفعلي على تلك العنصرية المتطرفة في كيان العدو وفي كلّ فكر مماثل.
لا شك بأنها حرب مختلفة، وقد استعمل فيها العدو كلّ تفوّقه التكنولوجي، لكن تبقى الإرادة الصلبة عند كلّ أصيل في فلسطين وفي كلّ بلد عربي أقوى بكثير، ومهما طال أمد تلك الحرب فالحصيلة اليومية لها تشي بالكثير من تباشير النصر، وأنّ قدرة المقاومة في كلّ الجبهات ثابتة على النهج في القتال حتى الشهادة أو النصر، وقد برهنت تلك الحرب، انّ كلّ ما شهدته المنطقة سابقاً من مخططات فتنوية، بين أبناء الديانة الواحدة، قد ذهب أدراج الرياح، وها هم أبناء لبنان من المقاومة لا يبخلون ببذل الدماء لأجل إخوانهم في غزة وفي كلّ فلسطين، وقد سطروا أروع الملاحم البطولية وارتقى منهم الكثير من الشهداء، ليثبتوا لكلّ العالم، انّ الدم العربي وكلّ دماء الأحرار في العالم هو دم واحد…
ستستمرّ «إسرائيل» في عدوانها، ليس لأنها ترغب بذلك، بل لأنّ مستقبل رئيس حكومتها أصبح قاب قوسين أو أدنى من الدخول إلى السجن، وكلّ من سيخلفه سيواجه المصير نفسه، طالما أنّ الاعتماد على القوة والقتل والبطش هو خبز الحكم عندهم، فالزمن الأول تحوّل، وتألمون ويألمون لكنكم ترجون الله ما لا يرجون، فإننا «مبشرين بالنصر» ولو بعد حين، وهذا ما أثبته طوفان الأقصى، والصمود الأسطوري والتاريخي لأبناء فلسطين ولبنان وكلّ الأحرار في البلدان العربية والعالم.
لقد برهنت تلك الحرب أنّ الاعتماد على التكنولوجيا والتفوق العسكري لا ترجمة له على أرض الميدان، و»إسرائيل» أمام أكبر مأزق وجودي في تاريخها، وحتى لو وضعت الحرب أوزارها، وبأيّ ظرف كان، ومهما كان تقييمها عند «الإسرائيلي» هناك حقيقة واحدة تستخلص منها وهي أنّ التطور اللافت في المواجهة مع العدو في طوفان الأقصى والذي لقن «إسرائيل» درساً لن تنساه، سيليه تطور آخر ولكن سيكون الخاتمة لهذا الصراع التاريخي المستمرّ، «إسرائيل» سقطت، وهذا أمر لا جدال فيه…