أخيرة

آخر الكلام

موتوا … أو عيشوا أحراراً*

يكتبها الياس عشي

سئلتُ: وماذا يمكن أن تقول في كلّ عام؟
فحضرني ردُّ ابن المبارك عندما قيل له: إلى متى تكتب يا ابن المبارك؟
فقال: لعلّ الكلمة التي تنفعني لم أكتبْها بعدُ.
سئلتُ: وماذا يمكن أن تقول في دقائقَ قليلة؟
قلت: في دقائقَ قليلة يمكن أن أجمع حزمة من الضوء، وموجةً من زرقة السماء، وشيئاً من رائحة الحقول، وكثيراً من فقش الموج، وخيوطاً من مطر أيلول؛ أجمعها في قارورة لم تعرفها، بعدُ، ذاكرة القوارير، وأقدّمها هدية لكم أيها التلاميذ المتخرجون.
*****
في دقائقَ قليلة يمكن أن أفرح،
يمكن أن أبكيَ،
أفرح بكم وقد استرحتم في اليوم السابع،
وأبكي… فلحظات الوداع حزينة… حزينة… لا تنتهي أوجاعها.
*****
سئلتُ: وماذا يمكن أن تقول والكلمةُ محاصرة، والوطن في نفق، والكلّ إلى الهاوية، والكلّ إلى فراغ، والكلّ دلّالٌ ينادي:
من يشتري هذا الوطن؟
قلتُ: متخرّجوها اليوم جيلٌ آخرُ، زرعت في عيونهم إرادةَ أن يُقدموا، حفّزتهم أن يقاتلوا،
قلت لهم: موتوا أو عيشوا أحراراً!
قلت لهم: كثيرة هي أصنامكم، فاقطعوا رؤوسها،
قلت لهم: أنتم الضحية، فاستعدّوا لقتال من حوّل الوطن إلى حقيبة!
قلت لهم…
حرّضتهم…
تآمرت معهم…
وقفت معهم ضدَّ كلِّ الذين تآمروا على طفولتهم، وإرادتهم، وبراءة عيونهم.
*****
لا تغضبوا أيها الآباء، لا تغضبْنَ أيتها الأمهات،
فأنا أردت أبناءكم أحراراً، سادةً وأحراراً، مثقفين وأحراراً…
فوالله… «إن لم تكونوا أنتم أحراراً من أمّة حرّة، فحرّيّاتُ الأمم عار عليكم»، كما قال المفكّر أنطون سعاده.
*****
سُئلتُ: وهل ثمّة حلّ؟
قلت: تاريخ الشعوب تصنعه مقاعد المدرسة، والثورات تخرج دائماً من معاطف المعلمين، والأمل فرح متواصل يبدأ هنا… من ملاعب المدرسة، لينتهي هناك على رمال بيروت الحزينة، ورمال كلّ العالم العربي الغارق في كآبة الاستسلام.
قلت: فلنبدأ مع هذا الجيل، وإنْ سقط، فثمّةَ أجيال لم تولدْ بعد، وستكون حرّةً لوطن حرّ.
*****
أيها المتخرّجون والمتخرّجات…
ردّدوا معي… احفظوا ما قاله الروائي غسان كنفاني:
«أنا الذي أعرف أنّ الكلمة عندنا وسيلة، وأنها، إنْ لم تستطع أن تتحوّل إلى حجر في يد الأعزل، إلى جواد تحت رجل طريد، إلى رمح في يد فارس، إلى ضوء في عيني أعمى، فلتسقطْ إلى النسيان، والغبار، والصدأ».
21/8/1993

*نص الكلمة التي ألقيت في مدرسة «طرابلس الإنجيلية للبنات والبنين» بمناسبة تخرّج تلاميذها من الصفوف المنتهية في التعليم الثانوي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى