قرار مجلس الأمن: لا إفراط ولا تفريط
ناصر قنديل
– تنطبق الحاجة للتعامل مع قرار مجلس الأمن 2728 الذي يدعو لوقف فوري لإطلاق النار في غزة خلال شهر رمضان واطلاق فوري للرهائن، على ما تتضمنه القاعدة الفقهية والسياسية التي تقول “لا إفراط ولا تفريط”. والمقصود هنا هو لا للإفراط في بناء الأوهام وإشاعة التفاؤل حول ما سينتج عن هذا القرار، سواء لجهة التبشير بقرب نهاية الحرب، أو لجهة التخلي الأميركي عن كيان الاحتلال وحربه الإجرامية، وبالمقابل لا تفريط بما يجسّده القرار من تعبير عن مستوى الصعوبة التي يواجهها كل مُضيّ في المكابرة والإنكار لتقديم التغطية لكيان الاحتلال لمواصلة حربه الإجرامية، حيث اضطرت واشنطن التي استخدمت الفيتو لإسقاط مشروع قرار مشابه قدّمته الجزائر قبل شهر، ووافقت عليه ثلاث عشرة دولة وامتنعت بريطانيا عن التصويت، أن تدع القرار يمرّ، ولو عبر الامتناع عن التصويت.
– ما يجب قوله قبل كل شيء هو أن هذا المسار الممتدّ خلال ستة شهور في مجلس الأمن، بينما عداد القتل والتدمير يسجل المزيد من الأرقام التصاعدية تحت أنظار العالم، ليكون أفضل ما يمكن التطلع إليه هو قرار يربط وقف النار، بما تبقى من شهر رمضان، ويضع بصيغة ملتبسة ربطاً بين وقف النار والإفراج عن أسرى كيان الاحتلال ويسميهم بالرهائن، بينما يتجاهل آلاف الأسرى الفلسطينيين، رغم أن العالم كله يعلم بأن مفاوضات تجري لتبادل الأسرى، أي التسليم بوضع كفتين متوازيتين بين الأسرى، هو أمر يجب أن يشعر بالخزي والعار، كل من يقول بأن للقانون الدولي ومؤسساته قيمة، وأن الاعتماد لحماية الشعوب الضعيفة على ما يسمّى بالمجتمع الدولي، لأن هذا العالم الذي يكتفي بقرار رفع عتب أمام هول المذبحة المفتوحة، هو عالم تحكمه شريعة الغاب، ولا يقيم حساباً إلا للقوة. ويكفي الاستماع الى تطمينات المندوبة الأميركية لكيان الاحتلال بقولها إن القرار غير ملزم، وهي تعلم أن كل قرارات مجلس الأمن ملزمة للدول الأعضاء في الأمم المتحدة، لأن مخالفة القوانين لا تعني أنها غير ملزمة، ففي كل دول العالم قوانين ومخالفات وانتهاكات للقوانين، وإفلات من العقاب في كثير من الحالات، لكن ذلك لا ينتقص من إلزامية القوانين.
– كيان الاحتلال سارع للقول إنه غير معني بدعوات وقف النار، وإنه ماضٍ في التحضير لجولات حربية مقبلة غير آبه بقرار مجلس الأمن، متحدياً الأقربين والأبعدين في المجلس، داعياً الى إقالة الأمين العام للأمم المتحدة، متهما واشنطن بتشجيع الإرهاب. وهذا يعني أن الوهم باقتراب نهاية الحرب بناء على ما يعنيه صدور قرار مجلس الأمن، هو ذر للرماد في العيون، والطريق لوقف النار لا يزال واحداً، أن تذيق قوى المقاومة في غزة وجبهات الإسناد كيان الاحتلال ما يكفي من الألم حتى تصبح كلفة مواصلة الحرب أكبر من كلفة مواصلتها، وأن تعمّق قوى المقاومة والشعوب المنتفضة لنصرة فلسطين وغزة، المأزق الأميركي بصورة تضعف حجم الدعم الأميركي المادي والمالي والعسكري، وصولاً الى الدعم السياسي والدبلوماسي والقانوني، بما يجعل قدرة الكيان على مواصلة الحرب أشد تعقيداً.
– بالتوازي الدعوة إلى عدم التفريط بما قاله صدور القرار، وهو أن انتقال واشنطن من الفيتو إلى الامتناع في التعامل مع النص ذاته عملياً، أي من أعلى درجات منع صدور القرار، إلى أدنى مراحل السماح بصدوره، هو ثمرة مجموعة عناصر يمكن اذا استمرّ تصاعدها أن يدفع باتجاه الانتقال الى مرحلة أفضل. وهذه العناصر هي صمود غزة ومقاومتها وتصاعد إسناد محور المقاومة ونهضة الشارع العالمي وما فرضه من تغيير في مواقف العديد من الحكومات خصوصاً في أوروبا، وثبات مواقف الحلف الدولي العريض المساند لفلسطين وغزة، من مواقف روسيا والصين إلى مواقف الدول التي تجرأت على خوض منازلة مباشرة مع كيان الاحتلال انتصاراً لغزة وفلسطين، مثل جنوب أفريقيا والبرازيل وتشيلي وكولومبيا وبوليفيا، والتصاعد في هذه العناصر حتميّ. ما يعني أن التأثير على سقف حركة مجلس الأمن عبر محاصرة الموقف الأميركي لا يزال مفتوحاً أمام المزيد من التغيير.
– يحتل الشارع الأميركي هنا دوراً حاسماً، وأميركا على أبواب انتخابات رئاسية تتراجع فيها حظوظ الرئيس جو بايدن بالفوز على خلفية دعم إدارته الأعمى لكيان الاحتلال وجرائمه. وتبدو معادلة الشارع عاملاً مهماً في دفع كل من الرئيس الأميركي ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، في اتجاهين متعاكسين، لأن محاكاة الشارع اليميني المتطرف الداعم لنتنياهو تستدعي الحفاظ على سقف مرتفع لخطاب الحرب، بينما محاكاة الشارع الضاغط في الحزب الديمقراطي الأميركي الذي يتطلع بايدن لاكتساب دعمه تستدعي الانتقال إلى مبادرات توحي بالجدية في وقف الحرب.