حتمية المعركة الكبرى اليوم وليس غداً (1)
د. جمال زهران*
الآن وليس غداً، ذلك هو الشعار الذي يجب أن يفرض نفسه في هذه المرحلة، بعد «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023م، وبعد مرور (6) أشهر على «الطوفان»، حيث كان العدوان الصهيوني متوحشاً… إجرامياً… وبلا سقف، ووسط صمت من المجتمع الدولي سواء الأمم المتحدة ومؤسساتها، أو الدول الكبرى، بل وسط تأييد ودعم من أميركا وحلفائها في أوروبا، الاستعماريين، على الإبادة البشرية التي يقوم بها الكيان الصهيوني، واستمرارها على مدار ستة أشهر!
إن ما يجري في غزة أساساً، وفي الضفة الغربية، هو إبادة جماعية ممنهجة، وتطهير عرقي، لصالح الكيان الصهيوني، بحيث يتحقق له التوسع بأساليب، الطرد أو القتل، والتهجير القسري إلى مصر والأردن، أو أي دولة، بحيث ينتهي ما يسمونهم بـ «الفلسطينيين» للأبد، ويستقر وضعهم للأبد في أرضهم المزعومة، وهي «أرض فلسطين» أصلاً. هذا ما يجري حالياً. وفي المقابل فإنّ المواجهة مع المقاومة الفلسطينية، وفي الساحات (جنوب لبنان – الجولان/ سورية – المقاومة العراقية/ المقاومة اليمنية «أنصار الله»)، وعلى مدار (6) أشهر، تحقق على أيديهم الكثير من الإنجازات في مواجهة العدو الصهيوني وداعميه.
كما أنّ ما يفعله الكيان الصهيوني ضد الفلسطينيين المدنيين العٌزل، من قتل عمدي، وهدم وتشتيت، ومحاولات تهجير، وتدمير ممنهج لكلّ سبل الحياة في غزة خصوصاً، ليس بفعل جديد يقوم به الاستعمار الأوروبي وخليفته أميركا، إنما فعله هذا الاستعمار من قبل، ولم يحقق الانتصار، إنما اضطر أن يرحل بالمقاومة الشعبية في كلّ المستعمرات، وباستخدام القوة العسكرية، رغم كثافة استخدام القوة الاستعمارية في مواجهة الشعب الأعزل في الدول المستعمرة، وهي ظاهرة سجلها التاريخ خلال الخمسة قرون الأخيرة، مع ظهور الثورة الصناعية والخروج من مرحلة الإقطاع والتخلّف في أوروبا. إلا أنّ هناك من الوقائع المسجلة على فظاعة الاستعمار، حيث أقيمت مجتمعات جديدة على حساب مجتمعات وشعوب كانت قائمة. وفي المقدّمة فإنّ أميركا الحديثة حالياً والتي لم يمضِ على تأسيسها (247) عاماً، حيث تأسست في عام (1776م) على يد جورج واشنطن وسمّيت العاصمة باسمه بعد حروب أهلية، استهدفت الإبادة الجماعية للسكان الأصليين، وراح ضحيتها أكثر من (100) مليون مواطن وهم المسمّون بـ «الهنود الحمر»، ولم يتبقَّ منهم إلا أعداد قليلة، يقيمون لهم حالياً معسكرات مبعدة عن الحياة البشرية، ويعاملون كالحيوانات، وتذهب لهم المأكولات واحتياجاتهم، في عزلة تامة، وفي مناطق صحراوية خالية، أغلبهم في ولاية «ميسيسبي»، وعاصمتها «جاكسون»! كما أن أميركا ذاتها ومن قبلها بريطانيا، دعمت الكيان الصهيوني، ليُقام على حساب الشعب الفلسطيني في أرض فلسطين، وبقرارات غير شرعية من الأمم المتحدة. أيّ إحلال عصابات صهيونية، محلّ سكان فلسطين، في عملية تهجير وطرد في عام 1948م، وللآن فهم مستمرون في هذه السياسة، ويظنون أنهم سينجحون، وما هم كذلك مؤكداً.
لكن من الأهمية الإشارة إلى تجربة أميركية لفضح سياسات أميركا الاستعمارية، التي أرادت إقامة قاعدة عسكرية في جزيرة (أرخبيل تشاجوس)، في المحيط الهندي، وبالاتفاق السريّ مع بريطانيا، وقع الرئيس الأميركي (ليندون جونسون)، اتفاقاً لإقامة أكبر قاعدة عسكرية في هذا الأرخبيل، عام 1965م، لتكون مفتاحاً ومركزاً استراتيجياً للتدخل الأميركي السريع في أفريقيا والشرق الأوسط وشبه القارة الهندية وغرب آسيا. وقد كان يخضع هذا الأرخبيل لدولة (موريشيوس) التي كانت خاضعة للاحتلال البريطاني. وقد أعطت في ضوء هذا الاتفاق، بريطانيا، الاستقلال لـ «موريشيوس»، على شرط التخلي عن «تشاجوس»، مقابل 3 ملايين جنيه إسترليني، ومن خلال الاتفاق البريطاني الأميركي، أجرت بريطانيا هذا الأرخبيل لأميركا لمدة (50) سنة، قابلة للتجديد (20) سنة، ومقابل تزويد بريطانيا بغواصات أميركية إلخ… إلا أن المشكلة كانت في وجود آلاف البشر في الأرخبيل!! وفي عام 1968م، قامت أميركا، بأكبر عمليات التهجير والقتل اتسم بالبشاعة! فأحرقوا المنازل بمن فيها، وأحرقوا الكلاب الحارسة للسكان، وتنفيذ حملة تجويع، ومن تبقى، ألقي بهم في المحيط، والدفع بهم للانتحار، والتشريد!! والقصة تطول، إلا أن ما أردت الإشارة إليه، أن ما يفعله النتن/ياهو، وبايدن ورؤساء فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا، مع شعب فلسطين في غزة الآن، ليس بجديد عليهم، لكن الواقع يثبت أن غزة العزة، وشعبها الأبي، عصية على تنفيذ المؤامرة الاستعمارية الصهيونية. فمن أعطى الحق لـ «بايدن» – الرئيس الأميركي، بإنشاء ميناء على أرض غزة، يصل بميناء بقبرص، وبينهما أكثر من (375) كم، تحت غطاء تقديم مساعدات لشعب غزة، ولكن في الأصل هو ميناء استعماريّ، بموجبه يتمّ إنشاء قاعدة عسكرية أميركية في هذه المنطقة الاستراتيجية؟!
وكما استخدمت أميركا قاعدتها العسكرية (دييجو جارسيا)، التي أقيمت على أرض أرخبيل (تشاجوس)، وإبادة شعبها، في دك وتدمير أفغانستان والعراق، عامي (2001م – 2003م)، فإنّ الميناء الجاري إنشاؤه في غزة، هو قاعدة ستستخدم لتدمير الدول العربية كلها حتى الزوال من الخريطة، ليحل محلها المشروع الصهيوني، والسيادة على الإقليم والهيمنة على مقدراته، لصالح المشروع الاستعماري الصهيوني!
ومع تزايد الإبادة الجماعية للفلسطينيين، واستمرار المجازر الصهيونية لشعب غزة على مدار (6) شهور، تحمّل فيها هؤلاء الأبطال، الجوع والبرد وانعدام الخدمات والحياة الإنسانية، حيث لا يمر يوم إلا وقد استشهد نحو (100) مواطن وأضعافهم مصابون، ويظلون بلا علاج، وآخرها الهجوم المستمر حتى اللحظة، على مجمع الشفاء الطبي بوسط غزة، وإبادة من فيه حتى الأطباء ومعاونيهم! فإلى متى السكوت؟! وإلى متى السكوت على التهديد المستمر من النتن/ياهو، على ضرب سكان رفح، والتهديد بالتهجير، وسط رفض مائع من النظم العربية، وتتظاهر دول أوروبية بالرفض وعدم قبول الهجوم على رفح، وكأنهم يرجون النتن/ياهو، أن يستجيب لهم، ولا يهاجم «رفح»، حتى أنه لم يعد هناك من يجبر هذا النتن/ياهو، أن يتوقف عن تهديداته، واستمرار مجازره، وأعمال جيشه القذرة، وهو الجيش الصهيوني، الذي يُعدّ في مقدمة الجيوش الأسوأ في العالم!
في الوقت نفسه، فإن الكيان الصهيوني، يتآكل من الداخل، ويواجه التفكك والانقسام، ويعيش الخوف والذعر، نتيجة أعمال وإنجازات ساحات المقاومة، إلى حد أن مجلة «الايكونومست» البريطانية، أشارت في تقرير لها، الأسبوع الماضي، أكدت فيه على أن «إسرائيل» أصبحت «وحيدة»، وأن اللحظة التي تعيشها الآن، هي لحظة غير مريحة، وأن الداخل في انهيار من جراء حجم المشاكل في عهد النتن/ياهو إلخ…
ولكلّ ما سبق إيضاحه والإشارة إليها، فإن مرور (6) أشهر أضحت كافية، للتحمّل، وأن لحظة الانقضاض على العدو الصهيوني، وإنهاء وجوده، قد حانت الآن، ولم يعد الانتظار للغد قائماً. فإما اليوم لتدمير الكيان الصهيوني وتدمير مفاعله النووي، وإجبار الصهاينة على الموت أو الرحيل، وإما فإنه يمكن مواجهة موقف صعب أن نتصوّره. اللحظة مناسبة، للمعركة الكبرى اليوم وليس غداً، وللمقال بقية…
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة قناة السويس، جمهورية مصر العربية.