الإرهاب يستهدف روسيا وبوتين يقلب المعادلات
} د. حسن مرهج*
بعد فوز فلاديمير بوتين بولاية رئاسية خامسة، يبدو أن أعداءه آثروا أن يعكروا صفو الأجواء الروسية، ويقلبون فرح الشعب الروسي إلى أحزان ومآسٍ، حيث استهدف الإرهاب مركزاً ترفيهياً قرب موسكو كانت تقام فيه حفلة موسيقية، الأمر الذي أدى إلى مقتل وإصابة عشرات الأشخاص، ويبدو واضحاً أن العمل الإرهابي الذي أدى إلى سقوط أكثر من مئة قتيل، لم يكن مصادفة بالنظر إلى توقيته، ولم يكن جراء تخطيط عُصبة من الإرهابيين، بل كان من تنظيم وإعداد أجهزة استخبارات مرموقة، حيث خططت واختارت التوقيت، فضلاً عن تمكنها من تحقيق اختراقات أمنية، تسهيلاً لوصول الإرهابيين إلى المنطقة المستهدفة، ومن ثم تأمين انسحابهم إلى الحدود الأوكرانية، لكن أجهزة الأمن الروسية تمكنت من اصطيادهم قبيل هروبهم إلى عمق الأراضي الأوكرانية.
وقبل أيام من العملية، قامت الولايات المتحدة بتحذير رعاياها لجهة عدم الاقتراب من الأماكن العامة، وتحديداً المسارح والملاهي، دون تقديم معلومات حيال ذلك، ودون تحذير أجهزة الأمن الروسية أو حتى التنسيق معها لإحباط ما قالت عنه واشنطن هجمات إرهابية، بل اكتفت ببيان تحذيري مقتضب، في خطوة تأتي في سياق يُراد منها ذر الرماد في العيون، والقول بأنّ واشنطن تعمل على مكافحة الإرهاب، إلا أنّ السلطات الروسية لم تستجب، الأمر الذي يؤكد بأن الولايات المتحدة وعبر طرق مباشرة وغير مباشرة، إنما تحاول تمرير إرهابها إلى داخل موسكو، لزعزعة استقرار الشعب الروسي، وفي مكان آخر ثمة غايات سياسية هدفها تشويه منجزات روسيا إقليمياً ودولياً.
بحسب المعلومات، فإنّ الإرهابيين الذين قاموا بذلك العمل الإرهابي، تمّ استدعاؤهم من إدلب السورية، وتمّ التواصل معهم عبر تطبيق التلغرام وإغراؤهم بالمال، وانتقلوا بعدها إلى تركيا وعبرها إلى أوكرانيا وصولاً إلى مكان العملية، ونحن لسنا هنا لمقاربة الأمر من الناحية الأمنية البحتة، أو تتبّع مسار الإرهابيين، لكن ضمن ذلك لا بد من توضيح الدور الروسي في مكافحة الإرهاب في سورية، وربط ذلك بالدور الروسي في نسج معادلات إقليمية ودولية أرقت الولايات المتحدة، وحتى العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا ونتائجها وما حققته روسيا والفشل الغربي هناك، فإنّ كل ذلك مدعاة لقلق أميركي غربي يقابله توظيف الإرهاب واستثمارها ضد خصوم واشنطن وعلى رأسهم فلاديمير بوتين.
عندما تدخلت روسيا في سورية كانت تدرك أن الإرهاب سوف ينتقل إلى موسكو وغيرها من العواصم، وأكدت القيادة الروسية مراراً أنّ القضاء على الإرهاب في سورية، سيمنع وصوله إلى موسكو، وعليه كان لا بدّ من تأطير تداعيات الإرهاب الذي انتشر في سورية لتحويلها إلى أفغانستان جديدة. هذا الأمر كان واضحاً منذ البداية للقيادة الروسية ونظرتها العميقة تجاه ما يجري في سورية، وبصرف النظر عن طبيعة وعمق العلاقات بين دمشق وموسكو، إلا أنّ الإصرار الروسي تحدّده مُسلمات بأن الإرهاب الذي تغذيه واشنطن في سوريا، إنما تمّ إعداده ليكون سلاحاً يستهدف روسيا لاحقاً، ولعلّ المنغصات التي أصابت الغرب في أوكرانيا جراء المُنجزات الروسية، كما أنّ قدرة روسيا على نسج علاقات إقليمية ودولية مميّزة، وتحديداً مع دول العالم الإسلامي، فإنّ كلّ ذلك مدعاة لتطبيق معادلة الإرهاب ضدّ روسيا، ولا ضير من استثمار الإرهابيين في سورية وإطلاقهم ضدّ روسيا، فقط لغايات هدفها ضرب الاستقرار الروسي ومحاولة قطع علاقات روسية المميّزة مع دول العالم الإسلامي، لا سيما أنّ توصيف الإرهاب في الاستراتيجية الأميركية هو «إسلامي».
الردّ الروسي بلا ريب سيكون عنواناً مفصلياً للكثير من التطورات، فالردّ لن يقتصر على نسف معاقل الإرهاب في إدلب السورية والتي باتت خزان إرهاب تحت الطلب الأميركي والتركي، بل سيكون الردّ الروسي على الإرهاب الذي استهدف عمق موسكو مزلزلاً للسياسات الأميركية والغربية أولاً، وستكون اليد الروسية في مكافحة الإرهاب هي الطولى ثانياً، كما أنّ بوتين مدعوماً بالثقة الشعبية وإعادة انتخابه رئيساً، لم يقف مكتوف الأيدي أمام إرهاب يهدّد شعبه، وبذلك فإنّ الردّ الروسي سيكون على شكل موجات النار، ابتداءاً من أوكرانيا التي دعمت وموّلت الإرهاب الذي استهدف موسكو، مروراً بوضع حدّ لسياسات الولايات المتحدة وحلفائها إقليمياً ودولياً، وصولاً إلى سورية حيث إدلب مسرح الإرهاب الأميركي.
ختاماً، لا بدّ من التذكير بأنّ الرئيس الأسد ألمح مرات كثيرة إلى سورية وعبر محاربتها الإرهاب في الجغرافية السورية، إنما تدافع عن العالم أجمع، كما أكد الأسد أنّ هذا الإرهاب سينتقل من سورية إلى كلّ الدول ولا بدّ من محاربته، وبذلك فالأمر واضح، لجهة ان تقوم به الولايات المتحدة وتركيا في سورية عبر دعم داعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية، ما هو إلا استثماراً في الإرهاب، لتوظيفه بما يحقق أهدافهم وغاياتهم السياسية، لكن وباللغة الروسية «сыт по горло» طفح الكيل، وترقبوا الردّ الروسي…
*خبير الشؤون السورية والشرق أوسطية.