«إسرائيل» خسرت الحرب وواشنطن تسعى لإنقاذها
حسن حردان
يجمع الكتاب والخبراء والمحللون والمسؤولون الأمنيون السابقون الصهاينة ومراكز أبحاث وكتاب في الولايات المتحدة على حقيقة واحدة وهي انّ «إسرائيل» خسرت الحرب في غزة، وانّ مشكلتها إنما تكمن في انّ رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو يرفض الإقرار بالهزيمة، لأنه لا يريد انهاء الحرب بهذه النتيجة خوفاً من دفع الثمن على غرار سلفه إيهود أولمرت الذي دخل السجن إثر الهزيمة الإسرائيلية في حرب تموز عام 2006 في مواجهة المقاومة في جنوب لبنان.
ـ مراسل الشؤون العسكرية والأمن في صحيفة «يديعوت أحرونوت» يوسي يهوشع قال انّ الجيش الإسرائيلي يغوص في مستنقع غزة، وانّ وحل غزة بات واقعياً… وانّ المعارك البرية تتجه لتكون حرب استنزاف…
ـ يتفق مراسل الشؤون العسكرية في الموقع الإلكتروني للصحيفة مع النتيجة الآنفة الذكر بقوله انّ المعارك البرية تتجه لتتحوّل إلى حرب استنزاف.
ـ مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق ايال هولاتا قال في حديث مع الإذاعة الوطنية الأميركية، «إنّ إسرائيل خسرت الحرب في 7 أكتوبر، وانّ السؤال الوحيد الآن هو ما إذا كنا قادرين على إزالة قدرة حماس على القيام بذلك مرة أخرى.. وقد ننجح، وقد لا ننجح».. أضاف، إنّ «الجيش الاسرائيلي يقاتل ويده مقيّدة خلف ظهره، ومن الواضح جداً اننا بحاجة إلى العثور على سلم للنزول عليه».
ـ رئيس الشاباك السابق، آمي أيالون قال «إنّ عودة الأسرى الإسرائيليين مقابل أسرى فلسطينيين هي أقرب صورة نصر في حملة غزة الحالية، وانّ هذه الحملة لن يكون لها أيّ صورة للنصر، وانّ قتل يحيى السنوار لن يكون انتصاراً، وإذا كان ايّ شخص يعتقد ان الفلسطينيين سوف يستسلمون حتى ولو قتل السنوار، فهو لا يعرف الفلسطينيين، أو حماس».
اذا كان الكتاب والمسؤولون الصهاينة المختصون بالشأن العسكري قد توصلوا إلى قناعة بأنّ «إسرائيل» قد خسرت الحرب والجيش الإسرائيلي غرق في مستنقع غزة ، وانّ إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تعمل لإنقاذ «إسرائيل» من تعنت نتنياهو وإيغاله في سياسة زيادة الخسارة الإسرائيلية وتعميق عزلتها الدولية.. فإنّ مجلة «فورين أفيرز» الأميركية المحافظة المعروفة بصِلتها مع دوائر صنع القرار في واشنطن، فقد حذرت «إسرائيل» من إنتاج سياسة مكافحة التمرّد اعتماداً على نصيحة ديفيد بترايوس وقالت «انّ مثل هذا النهج في غزة من شأنه ان يؤدي إلى مستنقع يمكن أن يمتدّ لسنوات عديدة بحيث تتكيّف حماس مع واقعها الجديد من خلال الاعتماد على شبكة أنفاقها تحت الأرض، واستخدام البنية الأساسية المدمّرة لصالحه، مما يسهّل استهداف الجنود الإسرائيليين الذين يقومون بدوريات راجلة».. مشدّدة على أنّ «تطبيق رؤية بترايوس في غزة سيكون بمثابة كارثة بالنسبة للجيش الإسرائيلي، ومن شأنها بدلاً من إنهاء العنف ان تنتج حرباً لا نهاية لها، وانّ المستنقع الذي يواجه «إسرائيل» في غزة اليوم يمكن أن ينتهي بطريقة مشابهة لما واجهته في جنوب لبنان، حيث انسحبت بعد عقدين من الزمن دون إزالة تهديد حركة التحرير الفلسطينية، بل ومع ظهور عدو جديد يتمثل في حزب الله».. مؤكدة انّ أهداف نتنياهو بـ «تدمير حماس، ونزع سلاح غزة، واستئصال التطرف في المجتمع الفلسطيني، يتطلب تحقيق أحدها سنوات من القتال، والنجاح غير مضمون في النهاية».. وقالت فورين أفيرز، «اذا احتلّ الجيش الإسرائيلي غزة وانتقل إلى مهمة مكافحة التمرّد، فسوف يكون ذلك في مصلحة حماس، وستكون استراتيجيتها محاولة إرهاق الجيش ببطء حتى يطالب الجمهور الإسرائيلي الانسحاب، وعند هذه النقطة ستعلن حماس النصر، مثل ما وقع مع الولايات المتحدة في أفغانستان.. وان هذه الدروس التي من المتوقع أن إسرائيل تعلمتها من تجربتها في لبنان، وسابقاً في غزة، لكن العناصر اليمينية المتطرفة في الحكومة الإسرائيلية، تدفع نتنياهو إلى التفكير في احتلال غزة إلى أجل غير مسمّى بحجة غياب حكومة فلسطينية مناسبة، وان على إسرائيل اذا تبنت هذه الاستراتيجية ان تستعد لحرب طويلة المدى».
اما الكاتبان توني كارسون ودانييل ليفي فقد توصلا إلى خلاصة بأنّ إسرائيل في طور خسارة المعركة التي تقودها ضد حماس في قطاع غزة، وان حماس مع قلة عديدها وعتادها أضحت ندا لتل أبيب»، وقالا «في عام 1968 خسر الثوار الفيتناميون المعركة، ومع ذلك كان هجوم تيت يعتبر لحظة اساسية وفارقة في هزيمتهم للولايات المتحدة، حتى وانْ كان ذلك عبر تكلفة باهظة في ارواح الفيتناميين.. ومن هنا جاء رثاء الراحل هنري كيسنجر عام 1969: لقد خضنا حرباً عسكرية، خصومنا خاضوا معركة سياسية، سعينا للاستنزاف الجسدي، كان خصومنا يهدفون إلى إنهاكنا نفسياً، وفي هذه العملية فقدنا رؤية أحد المبادئ الأساسية لحرب العصابات: انّ حرب العصابات تفوز اذا لم تخسر، والجيش التقليدي يخسر اذا لم ينتصر».
بدوره وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، حذر من انّ «الهجمات الإسرائيلية التي تقتل الآلاف من المدنيين تخاطر بدفعهم إلى أحضان العدو، واستبدال النصر التكتيكي بهزيمة إستراتيجية».
وقال الكاتب توماس فريدمان ـ في مقاله بصحيفة «نيويورك تايمز» ـ «إنّ إسرائيل تخسر الآن على عدة جبهات»، مشيراً إلى أنها خسرت حرب السرد على غزة ووقفت أمام محكمة العدل الدولية.
وأضاف أنها «تفقد أيضاً القدرة على الحفاظ على أمنها، وتخسر على جبهة الاستقرار الإقليمي حيث باتت هدفاً لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) وحزب الله وجماعة أنصار الله (الحوثيين) في اليمن والمليشيات الشيعية في العراق».
هذه الخلاصات المذكورة آنفاً لمسؤولين عسكريين وأمنيين وسياسيين وكتاب «إسرائيليين» وأميركيين، هي التي دفعت إدارة بايدن إلى تحذير حكومة نتنياهو من العودة إلى احتلال غزة او الاستمرار في التورّط في مستنقع غزة، وعدم الاستفادة من أخطاء أميركا في العراق وأفغانستان إلخ… لكن نتنياهو يصرّ على عدم الإنصات إلى النصائح الأميركية التي تحرص على إسرائيل، طفلها المدلل، وتريد إنقاذها من حماقات الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، لأنّ نتنياهو بات يخاف على مستقبله السياسي ومن انه سيواجه اتهامات بالمسؤولية عن الفشل الأمني والعسكري في 7 أكتوبر، وكذلك اتهامات بالفساد، ولهذا فإنه لن يستطيع النجاة من المحاسبة القاسية وانتهاء حياته السياسية عندما تتوقف الحرب في غزة، ويكون الحصاد هزيمة غير مسبوقة ألمّت بكيان الاحتلال.. ولهذا فإنّ نتنياهو يمعن في رفض كلّ المحاولات الأميركية لإنقاذ إسرائيل من دفع الثمن الكبير، ومساعدتها على الحدّ من الخسائر العسكرية والسياسية والمعنوية، والعزلة الدولية التي باتت تطوّقها على مستوى الرأي العام العالمي، وعلى مستوى الدول والحكومات، والتي دللت عليها:
أولاً، تصويت مجلس الأمن الدولي الأخير، بالإجماع، على قرار وقف النار في غزة، وامتناع أميركا لأول مرة عن استخدام حق النقض الفيتو لمنع صدور مثل هذا القرار.. بسبب الانقلاب الحاصل في المناخ الدولي.
ثانياً، التحوّل الكبير وغير المسبوق في أوساط الرأي العام داخل الولايات المتحدة ضدّ إسرائيل والسياسات الأميركية الداعمة لعدوانها، وارتفاع منسوب التأييد للقضية الفلسطينية، على نحو بات يتجاوز أعداد المؤيدين لـ «إسرائيل»، حسب رأي بعض الكتاب الأميركيين، حيث أظهر آخر استطلاع للرأي انّ نحو 75 بالمائة من المصوّتين في الحزب الديمقراطي يطالبون بايدن بخطوات لوقف الحرب في غزة.. وهو الأمر الذي دفع إدارة بايدن إلى الامتناع عن استخدام الفيتو ضدّ قرار مجلس الأمن بوقف فوري لإطلاق النار، لأول مرة منذ بدء الحرب الإسرائيلية، وهو ما دفع أيضاً الرئيس الأميركي السابق، المرشح الرئاسي، دونالد ترامب إلى المطالبة بوقف الحرب في غزة في محاولة منه لكسب تأييد الجمهور الأميركي المعارض لسياسات بايدن.. وهو المعروف بأنه من اشدّ الداعمين لـ «إسرائيل» ومشاريعها التوسعية.
ثالثاً، استمرار التظاهرات العارمة التي تجتاح عواصم ومدن العالم، لا سيما الدول الغربية، إدانة لـ «إسرائيل» وتضامناً مع الشعب الفلسطيني.. والتي أدت الى:
ـ فوز النائب جورج غلاوي، المعروف بموقفه المؤيد للقضية الفلسطينية، في الانتخابات الأخيرة، واستعادة مقعده النيابي، على خلفية موقفه المؤيد للقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني.
ـ مطالبة أكثر من 130 عضواً في البرلمان البريطاني، في رسالة إلى وزير الخارجية ديفيد كاميرون ووزير الأعمال والتجارة كيمي بادينوك، بفرض حظر على مبيعات الأسلحة إلى «إسرائيل»..