هل تستطيع أي قوة أن تنقذ «إسرائيل» من نفسها؟
} علي فضّة
إنّ الوعي التاريخي لأي صراع جذري هو جزء ديناميكي في خوض مساره، لاعتبار مهم «أنّ اليوم هو الابن الشرعيّ للأمس» والأمس هو الخازن لأسباب ما نحن عليه اليوم، الأمس يتطوّر ويمرّ بمراحل تغييريّة، منها البنوية ومنها الهامشيّة، ورصد كل هذا التطور حاجة ملحة لفهم طريقة «التفكيك الإدراكي المعرفي» لسبر آليات المواجهة بمعرفة تكتيكات الحراك من باب “أن تعرف عدوك خير لك من أن تظل تنتظر أفعاله الغير معلومة أو محسوبة” لتمحّص بعناية نقاط ضعفه ونقاط قوته، لذا المرور بهذه المرحلة هو أساسي، لا تقلّ أهميته عن باقي أدوات المواجهة المتعددة التي تُشِكل المنظومة المتكاملة لأي فعل مقاوم ناجع.
الصراع مع العدو (الإسرائيلي) وكيفيته :
كما أننا تطوّرنا في كافة المجالات في «محور المقاومة» إلّا أنّ البعض ما زال يقارب الصراع بمفهومه الكلاسيكي التقليدي، أي «أن هناك احتلالاً ومقاومة تواجهه بعمليات عسكريّة»!
الأمر ليس بهذه البساطة البتة، لأنه لو كان العدو (الإسرائيلي) بقوته العسكرية المتطورة وبوجوده الإحلالي على أراضينا العربيّة المحتلة كحلّ دولي مصدّر لحلّ ما يُعرف بـ المسألة اليهوديّة» وإيجاد أرض لليهود ليقيموا عليها (دولة) وبتحالف مع القوى الغربيّة الاستعمارية، لكان الصراع معه أقلّ تعقيداً مما نحن عليه اليوم، لسبب جوهري «أنّ الغرب خصوصاً الولايات المتحدّة ليس لديهم حلفاء بل مصالح – هم القائلين-» لذا تطور العلاقة بين الولايات المتحدّة قائدة الكولونياليّة الغربيّة والمدير التنفيذي للأوليغارشيّة الحاكمة مع كيّان الاحتلال وصل عن طريق «هنري كيسينجر» اليهودي الأميركي من أصل ألماني والذي شغل منصب وزير الخارجيّة الأميركيّة في سبعينيات القرن المنصرم، بأن نجح بتحويل (إسرائيل) من حليف وقلعة متقدمة في الشرق ذات دور وظيفي إلى «جزء من المصالح الغربيّة والأميركيّة تحديداً» وشتّان بين أن تكون حليفاً وجزءاً من مصالح أميركا، انظروا «زيلينسكي».
ما إن أدركت هذه الحقيقة حتى أصبح سهلاً عليك فهم المواجهة وأنّ جدليّة وجود هذا الكيان الإحلالي قد تطور من «وعد بلفور» مروراً بإعلان (دولة إسرائيل) 1948 إلى هزائم العرب أمامه وصولاً إلى يومنا هذا، قد طرأت على الكيان تغيّرات ما زادها تعقيداً وبالتالي كردّ فعل طبيعي راصد للتغيّرات أدّى بالضرورة الى تغيير فلسفة الصراع معه من قبل «محور المقاومة» الوحيد بالمواجهة، الذي قد واكب تمرحله وتطور دوره وأين أصبح اليوم.
إذن ما الحلّ وكيف سننتصر؟
طالما أنّ صراعنا جذري ووجودي، كان محتماً الحفاظ على استراتيجية نهاية الاحتلال وتغيير تكتيك الوصول إلى الهدف (الاستراتيجي) فكانت الخلاصات التالية أمام التغيرات الآنفة الذكر :
أولاً: تغيير نمط المواجهة العسكريّة والتحوّل من الحروب الكلاسيكيّة، التي لا طائل منها إلى الحروب غير المتماثلة واعتماد حرب العصابات بمفهوم وآليات وأسلحة متطورة، تحاكي نقاط قوة وضعف العدو، لإدخال العدو في «متاهة نظرية اللا إنجازات“، لأنّ المحاكاة تلك هي أنّ المعارك معه لا تُقارعُ بها الجغرافيا بل استنزافه الكبير بها، بالتالي لا تفوّق ينفع ولا تكنولوجيا تشفع، خصوصاً أنّ متن هذه النظرية هي الروح القتالية العالية لدى المقاومة وعجز للآلة العسكرية للعدو، وهذا مثبت عملياً من حرب تموز 2006 مروراً بعدّة معارك خاضتها المقاومة الفلسطينيّة وصولاً إلى ملحمة السابع من تشرين.
ثانياً: الإدارة…
مفهوم الإدارة لدى المقاومة تغيّر، أيّ أنّ المقارعة أصبحت أكثر علمية من كونها شعبيّة غير منظمّة، وتكتيكيّة بالمفهوم الدال على الانتقال من الفعل الى ردّ الفعل وإن كان سياقه الأبرز كان الحروب النفسيّة والإعلاميّة، لتأتي بعدها العسكريّة، ثم التحكّم بمسارات السياسة والعسكرة، بتوزيع أدوار واضح المعالم، فالكل يعلم أنّ «محور المقاومة» هو دوّل وأحزاب وفصائل، الكل فيه يقوم بدوره، مع الحفاظ على خصوصيّة الساحات، التي لا تخرج عن السياق الاستراتيجي، الخصوصيّة تكتيكيّة، مبنيّة على تناغم واضح بين مكونات المحور.
فمن يظن أنّ الصراع الشرق أوسطي الخاص بفريقيه المتنازعين ضمناً وعلناً، لا يؤثر ويتأثّر بالبعد الدولي هو مخطئ سيما أن تشكيلاته وتمحوراته الآيلة الى البروز بشكل أوضح بصورها الانقسامية ومنها مواجهات المباشرة «أوكرانيا مثلاً» ومن أوروبا الشماليّة الى أفريقيا وصولا الى أميركا اللاتينيّة دون أن ننسى الصين التي تأتي بالتصنيف الأميركي اصطلاحاً بـ «الخطر الوجودي» وتصنيفاً بأولى الأوليات.
من هذا نعلم أن توقيت طوفان الأقصى أتى وإن بشكل غير مرتب أو منسّق في ظرف دولي مؤات إلى حدٍّ ما، لذا الإدارة كانت تقاس بميزان الذهب كأي خطوة محسوبة بحرفيّة على الرقع البيضاء والسوداء.
التأني هو جوهر هذه المعركة التي حتى اللحظة مفتوحة على كل الاحتمالات، ولكن يبقى السؤال المؤرّق لأي باحث، هل هذه المعركة نهائية بما أنها تزداد تعقيداً على طريق الحلّ أم تكتيكيّة للهدف الاستراتيجي، وهل هذا الكيان المؤقت يُراد بسياق السجّال معه وتطوره، أن يكون مصيره المرسوم الموت خنقاً أو بالضربّة القاضيّة، هذا بحد ذاته تيه في متاهة وقع بها العدو، دخل بها «المستوطن» كهدف والـ (دولة) هي الوسيلة للقضاء على الهدف، هنا تحديداً يمكننا القول انّ العقد حلّت الى حدٍّ ما، لأنه وإنْ كانت (إسرائيل) جزءاً من المصالح الأميركيّة وتسعى دأباً لإنقاذها بشتى الوسائل والطرق، إلّا أنها حتماً لا تستطيع إنقاذها من نفسها لأنّ المعادلة هي التالية: «مستوطن يعني كياناً لا مُستوطن لا كيان».
لذا فكل ما أسلفنا ذكره هو للوصول إلى هذه «الخلاصة» بأسطر المقال الأخيرة، ذلك في ظلّ فوضى عالميّة عارمة وإقليميّة تائهة، واحتقان قد يخلط كلّ الأوراق.