مقالات وآراء

ويسألونك: كيف سيكون الردّ الإيراني…؟

‭}‬ محمود الهاشمي
الجمهورية الاسلامية الإيرانية دخلت في صراع مع أميركا وإسرائيل منذ الأيام الأولى للثورة عام 1979 وحتى يومنا هذا، حيث أطلق الإمام الراحل الخميني على أميركا (الشيطان الأكبر) وسمى «إسرائيل» بـ (الغدة السرطانية) وقال جملته المكتوبة على جدران المدن الإيرانية (لا بدّ ان تُمحى إسرائيل)! هذه التوصيفات للثورة الاسلامية وقياداتها لأميركا و»إسرائيل»، تحوّلت على مدى (45) عاماً من عمر الثورة الى واقع ميداني ملموس حيث تحيط صواريخ المقاومة الاسلامية (المدعومة من إيران) خارطة «إسرائيل» من جميع الجهات. إذن فالتهديد الأكبر لـ «إسرائيل» ووجودها يأتي من (إيران) حتى انّ الامام القائد الخامنئي توقع قرب زوال إسرائيل في الأعوام الـ (25) عاماً المقبلة، وكم حاولت أميركا أن تغري إيران بحزمٍ من الامتيازات على ان تتنازل عن عمقها الاستراتيجي في المنطقة والعالم فجاء ردّ الإمام الخامنئي (أنّ الحضور الإقليمي يمنح إيران العمق الاستراتيجي والمزيد من القوة) وقال أيضاً (إنّ بلادنا لن تنحني أمام الضغوط الرامية لجعلنا نقلّص قوتنا الدفاعية ووجودنا في المنطقة).
من هذا نفهم انّ (المواجهة) بين إيران من جهة وبين أميركا و»إسرائيل» من جهة أخرى متواصلة ودون انقطاع، وأميركا تدرك انّ إيران تعمل بكلّ قوة لإضعاف أميركا وتقليل دورها في المنطقة والعالم، وهو هدف استراتيجي لإيران في بعده العقائدي والوطني، واختارته وهي في اصعب الظروف. فكيف لا تختاره وهي في موقع (الريادة).
إيران لم تفكر لحظة انها تعدّ نفسها لقتال جارٍ ضعيف أو قوي، بل العكس ترتب علاقاتها مع جميع الجيران وفق قيَم الدين والجيرة الحسنة، حيث أنها ورغم قلقها الدائم من جارتها (أذربيجان) التي تقيم علاقات متقدمة مع خصم إيران (إسرائيل) الا أنها لم تبادر بأيّ إجراء يشوّه قيَم الجيرة، فيما تناست (مرارة) ما كان من حرب مع جارتها العراق، وأبدلت (العداوة) بـ (الوئام).
«إسرائيل» تعلم انّ (الأسلحة) التي تطوّرها إيران هي المستهدفة بها، سواء التي تمتلكها او تلك التي تصل إلى أيدي المقاومين، وتعلم انّ مشروعها (النووي) هو للتوازن معها في المنطقة، وتعلم انّ إيران خصمها بكلّ الميادين، وهي التي عطلت عملية (التطبيع) مع الآخرين، وتشنّ إعلاماً هائلاً ضدّها وضدّ مشاريعها في المنطقة، لذا فإنّ الحرب الاستخبارية قائمة بينهما ليل نهار، وتعلم «إسرائيل» أيضاً، انّ جميع المعارك التي خاضتها ضدّ المقاومة الإسلامية كانت وراءها (إيران) تسليحاً ودعماً مالياً وإعلامياً ودبلوماسياً وآخر هذه المعارك هي (حروب غزة الست) والتي لا يزال أوارها مشتعلاً حتى اللحظة، كما تعلم انّ ساحات المقاومة بتعددها خلفها (إيران)، وتعلم جيداً انها لا تقاتل جبهة واحدة انما (جبهات) في لبنان والعراق وسورية واليمن وفلسطين. ترى من وراء هذه (الجبهات) إيران لا تتعامل مع «إسرائيل» بردّ الفعل إنما وفق (الصبر الاستراتيجي) ويمتاز العقل الإيراني بـ (سياسة النفس الطويل) وذلك ما جعلها دولة (قوية) وفاعلة في المنطقة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، فمثلاً عندما منعت حكومة (ترامب)عن إيران الدواء حتى فرغت رفوف صيدلياتها وصولاً للعودة لاستخدام (الأعشاب) لم تذهب إلى حرق معامل الأدوية الأميركية لكنها استطاعت بعد خمسة أعوام أن تصل إلى مستوى متقدّم جداً في صناعة الأدوية وباتت اليوم تصنع نحو 95% من أدويتها، وهذا ما ساعدها بالوقوف بوجه العصف (الربيعي) وما تسمّى بـ (الثورات الملونة) واجتازتها بحكمة رغم صعوبتها ومخاطرها والأموال التي أنفقت عليها.
إيران لا تؤمن بمبدأ (الاغتيالات) فرغم انها تتعرّض باستمرار لمثل هذه الاغتيالات، وخسرت خلال السنوات الأخيرة عدداً من كبار العلماء والقادة العسكريين، لكن لو تابعنا ردود فعل إيران لوجدنا أنها (ردود استراتيجية) سوى ما كان من ردّ بقصف لقاعدة «عين الأسد» في العراق عقب اغتيال اللواء الشهيد قاسم سليماني والحاج ابو مهدي المهندس ورفاقهما، وانْ كان هذا الردّ لا يساوي قيمة أمام شخصية بحجم الحاج قاسم سليماني، لكن الإمام الخامنئي ردّ على ذلك بالقول (كلّ من يهوى المقاومة سيثأر له)، مؤكداً (أنّ انتقاماً قاسياً سيكون بانتظار المجرمين) و(أنّ نهج الجهاد في المقاومة سيستمرّ بدوافع مضاعفة) واصفاً ضربات قاعدة عين الأسد الأميركية بأنها (لم تكن سوى صفعة) فيما اعتبر انّ الثأر (الاستراتيجي) هو (طرد أميركا من المنطقة) وهذا ما عملت عليه إيران وجعلت الرئيس الأميركي السابق ترامب يقول (لم يعد الشرق الأوسط من أولوياتنا) وفعلاً بدأت أميركا بالانسحاب لكن «إسرائيل» جرجرتها وأعادتها ثانية.
إذن… وفقاً للمعلومات أعلاه، لم تعرّف إيران نفسها يوماً بأنها وراء عمليات الاغتيال بل ترى فيها أحياناً رداً يطمئن العدو بأنّ الثأر قد تمّ، ناهيك انّ منهج الاغتيالات لم يغيّر في المعادلات شيئاً على كافة الاصعدة، فاغتيال الأمين العام السابق لحزب الله السيد الشهيد عباس الموسوي أورث السيد حسن نصرالله (حفظه الله)، ثم هل نفعت «إسرائيل» الاغتيالات للعلماء وإيران اليوم تقف على أعتاب إنتاج الأسلحة النووية لو رغبت، بذلك؟ وكذلك لم تغيّر اغتيالات القادة العسكريين، والمقاومة تقاتل الآن بكلّ ساحاتها وفي غرفة عمليات واحدة وتحقق نصراً استثنائياً على كلّ الجبهات.
انّ أخطر ما يواجه دولة أنها تجهل ما تخطط لها (الدولة الخصم) فـ إيران في حساباتها استهداف القادة العسكريين في سورية او لبنان وهم يعملون على مقربة من الحدود مع فلسطين المحتلة والقصف الإسرائيلي لم يتوقف يوماً، لكن؛ كيف سيكون الردّ الإيراني؟ هذا ما لا يستطيع العقل الأميركي او الصهيوني او الغربي (عموماً) ان يعرفه لأنه سر الأمة التي تؤمن بالله ورسوله وعترته أهل بيته، وبأنّ الحجة المنتظر سيظهر ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً) فالله سبحانه يعمي بصيرة الظالمين، (وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ) فيما يفتح الله بصيرة المؤمن ويوثق خطاه نحو الحق والحقيقة (قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ‭}‬ فالثأر لاستهداف قادة الحرس الثوري في القنصلية بسورية يرقى الى مستوى (انتصار المقاومة في غزة) وفي المستقبل الى (زوال إسرائيل) أما دماء الشهداء فالعقيدة الإسلامية ترى بهذه الدماء طريقاً للنصر لأنهم استشهدوا وهم على (صراط مستقيم) وهم جزء من (روح الانتصار).

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى