التفاوض على حافة الهاوية
تجتمع في توصيف الوضع الحالي مفردتان لا تجتمعان إلا نادراً في توصيف وضع واحد، هما اللعب على حافة الهاوية والتفاوض على صفيح ساخن، لأن اللعب على حافة الهاوية يستدعي انسداد مسارات التفاوض، والتفاوض على صفيح ساخن يستدعي انفتاحها. توصيف يقول إننا قد نكون عشية حرب كبرى، وتوصيف آخر يقول إننا قد نكون عشيّة تسوية قريبة.
المنطقة دخلت واقعياً مرحلة لا يوجد فيها مستفيد من حرب كبرى شاملة، تكاليفها الاستراتيجيّة مرتفعة على الركنين الكبيرين في لعبة المنطقة ومعادلاتها، إيران وأميركا، وتعني تأخّر كل منهما عشر سنوات عن ركب التنافس الإقليمي والدولي، في ظل منافسات يحتاج الطرفان الى الحفاظ على المقدرات ومناخات البناء الاقتصادي والحراك السياسي؛ وهو ما سوف تتكفّل حرب كبرى بتعطيله، فتعيد أميركا تكرار خطأ حربي العراق وأفغانستان وإفساح المجال لروسيا والصين بتحقيق التقدم النهائي لجعلها دولة في المرتبة الثالثة عالمياً، بينما سوف يكون على إيران الدولة الأولى في الإقليم اليوم أن تعود عقوداً الى الوراء وأن تضحّي بكل البناء الاقتصادي والتكنولوجي، وتدع السعودية وتركيا تتنافسان على الموقع الأول.
الواضح أن خيار التفاوض على صفيح ساخن هو الخيار الأميركي والإيراني انطلاقاً من قرار صارم بعدم الذهاب الى الحرب الكبرى، لكن الواضح أن اللعب على حافة الهاوية هو ما ذهب إليه كيان الاحتلال العاجز عن اتخاذ قرار حرب كبرى، لأن القرار بيد أميركا، وهو يفعل ذلك تعويضاً عن الحرب الكبرى، وتعبيراً عن العجز بالمضي قدماً في التفاوض على صفيح ساخن، وهو يخسر في الصفيح الساخن، حيث تضغط عليه أزمة الأسرى والعجز عن الانتصار في غزة، من جهة، وسقوط قدرة الردع على جبهة القتال مع حزب الله وضغط تهجير مستوطني الشمال من جهة مقابلة.
الجمع بين اللعب على حافة الهاوية والتفاوض على صفيح ساخن، سيؤدي إلى التفاوض على حافة الهاوية. وهذا قد يؤدي إلى توسيع طاولة التفاوض، وربّما إلى نشوء عدة طاولات، وإلى دمج الملفات، وربما الى مؤتمر دولي لملفات المنطقة مجتمعة، ووقف شامل ونهائيّ للحروب من غزة إلى حرب اليمن وليس البحر الأحمر فقط، وإلى حرب سورية بأضلاعها الثلاثة الأميركي والتركي والإسرائيلي، وصولاً إلى أزمة لبنان الحدودية والرئاسية والاقتصادية، وأولاً القضية الفلسطينية بكل تفاصيلها وليس غزة فقط، وأخيراً الملف النووي الإيراني بكل تشعّباته.
التعليق السياسي