ازدواجية الولايات المتحدة في حرب غزة
نمر أبي ديب
ظاهرياً لم تستعمل الولايات المتحدة الأميركية (الفيتو)، كما عادتها مع كلّ موقف أممي لا يتوافق أو يتعارض مع سياستها الخارجية، أو أهدافها الإقليمية منها والدولية، لكنها مرّرت بـ طريقة غير مباشرة سلسلة مقدمات سياسية وأخرى عسكرية، يمكن استثمارها في مراحل ومحطات لاحقة من بينها: صفقة السلاح الأميركي غير المبرر منحه حتى اللحظة لكيان الاحتلال الإسرائيلي، وهذا يفتح مع ما أعلنته الخارجية الأميركية، حين اعتبرت أنّ قرار مجلس الأمن الدولي المتعلق بالوقف الفوري لإطلاق النار في قطاع غزة “غير ملزم” عكس ما صرّحت به الأمم المتحدة، حين أعلنت بأنه “قانون دولي ملزم”. يفتح باب الازدواجية الأميركية في هذه المرحلة على مصراعيه، مع العلم أنّ الازدواجية الأميركية لا تتضمّن جديداً يقدّم على مسرح المناورات الدولية في مراحل استثنائية مصيرية، لكنها تتكامل في “الشكل السياسي، كما في الإعلان العسكري”، مع عوامل عديدة ملزمة، باتت تتحكم اليوم وإلى حدّ بعيد بمجمل ملفات المنطقة العالقة ضمن ساحات ومساحات الحضور كما النفوذ الأميركي، منها على سبيل المثال: الانتخابات الرئاسية الأميركية وما يستتبعها من حسابات استثنائية تحاكي في مجملها الكتل الأميركية الناخبة في مقدّمتها الكتلة الشعبية الرافضة لـ “قرار الحرب على غزة” وأيضاً للغطاء السياسي الذي توفره وما زالت الولايات المتحدة الأميركية، التي تنصّلت بإعلان رسمي عبر خارجيتها من “إلزامية القرار الأممي” الداعي إلى (وقف فوري لإطلاق النار في غزة طيلة شهر رمضان).
عكست الازدواجية الأميركية في بعديها الأول السياسي والثاني العسكري، حجم الارتباط الكامل والوثيق بملفات استراتيجية أساسية من بينها حرب غزة التي فقدت من خلالها التوازنات الشعبية في الداخل الأميركي، استقرار “الكتل الكبرى، كما التجمعات الناخبة”، بمختلف توازناتها العددية على مقياس “الأرجحية التمثيلية”، التي يمنحها دائماً رهان الشعب الأميركي على الشخصية الرئاسية، بغضّ النظر عن سيرتها الذاتية حتى تلك التي ذهب فيها الأميركي بعيداً عن “العقلانية السياسية”، حين وجد في غموض شخصية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب معبراً لخروج استراتيجي من “حالة الركود” التي دخلتها الولايات المتحدة مع الرئيس السابق باراك أوباما”.
ما تقدَّم يظهر بكثير من الدقة التعددية الشعبية المكونة لبنية المجتمع الانتخابي في الولايات المتحدة، ويظهر أيضاً حجم “التشتت السياسي” المسيطر على رأي عام أميركي، لم تعد تجمعه أو توحده خلاصة معينة أو هدف معيَّن، وسط غياب شبه كامل لعبارات عديدة من بينها “الأمن القومي للولايات المتحدة الأميركية”، وهذا يشتمل على أحد أبرز مؤشرات التفكك الكياني لولايات تتحكم فيها مفاعيل الانقسامات الكبرى/ الاستراتيجية المتدحرجة بصورة نشطة ما بين المؤسسات الأميركية العسكرية، والأمنية، والسياسية.
في السياق ذاته، ما تقدَّم يظهر فارق القوة، كما الوحدة، ما بين “أميركا القديمة”، و”أميركا الجديدة”، التي باتت تتألف من “ولايات حتى اللحظة متحدة”، تتطلب فيها الانتخابات الرئاسية التوفيق ضمن بيئة انتخابية تعتبر واحدة بين رباعية مؤلفة من الجالية العربية الناخبة في الولايات المتحدة، وأيضاً من الناخب اليهودي المعني بشكل مباشر بحرب غزة، وأيضاً بمجمل تطورات الساحة الفلسطينية، وتحديداً “أمن الكيان الإسرائيلي”، ثالثاً: الأميركي الذي يبحث اليوم عن بدائل يعيد من خلالها الولايات المتحدة، إلى مراحل ما قبل الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون وهذا غير موجود أو متوفر اليوم، ضمن البيئة المتقدمة لمرشحي الرئاسة الأميركية، ولا حتى خارجها على مستوى المؤسسات أو الإدارات الأخرى الأمنية منها والعسكرية كما الاقتصادية، رابعاً أساس الاصطفاف الشعبي الدائم والمستمر في الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وهنا نتحدث عن نسب انتخابية ثابتة و”قاعدة عددية” تنطلق منها الشخصيات الرئاسية، التي تتأرجح دائماً ما بين حزبين لا ثالث لهما، بالتالي الحديث اليوم عن التراجع الأميركي في المنطقة وأيضاً عن عدم قدرة الولايات المتحدة على إنجاب النسور الرئاسية لا يدخله أيّ مبالغة، كما هو حال الحديث عن عدم قدرة كيان الاحتلال الاسرائيلي على إنجاب الملوك انطلاقاً من “سقف الإنتاج الأميركي” الذي رافق وصول الرئيس السابق باراك أوباما مروراً بالرئيس السابق دونالد ترامب، وصولاً إلى ما هي عليه الولايات المتحدة الأميركية اليوم، والحديث يتناول جو بايدن، وما تركه من غياب عالمي للولايات المتحدة الأميركية على كافة المستويات.
قد يكون التساؤل الاستراتيجي المتعلق في ازدواجية الموقف الأميركية، مدخلاً استثنائياً لتساؤلات عديدة تتناول في بعدها السياسي مجموعة الروابط المانحة على مستوى الحياكة الميدانية للحدث، مقبلات عملية وخلاصات دولية تفيد في أكثر من علامة استفهام حول ملفات المنطقة الأساسية وتساؤل من بينها: “من ينتظم على إيقاع من”، وهل تفرض حرب غزة، شخصية أميركا الرئاسية في أكثر المراحل الدولية دقة واستثنائية؟ أم ينتظم مشهد المنطقة ومن ضمنه الفلسطيني على إيقاع التوازنات الرئاسية الأميركية التي باتت تفتقر للشخصية الرمز، وأيضاً لجرأة البحث الجدي والحقيقي في خارطة المنطقة ومن ضمنها “فلسطين المحتلة”، في مرحلة ما بعد بنيامين نتنياهو؟
ما بين فرضية التصعيد “الإسرائيلي” في سورية ولبنان حيث لا خيار آخر أمام نتنياهو، وحتمية الردّ الإيراني القائم على حقائق استراتيجية تنتظر بالمفهوم العسكري الساعة الصفر المؤاتية، جنون إسرائيلي، مرفق بكثير من المراوغة الأميركية، كما الاستحقاقات الداخلية الداهمة، التي قد يدفع نتيجتها الأميركي كما “الإسرائيلي”، ثمن أهدافه الضمنية غير المعلنة “لشاطئ غزة” الاستراتيجي.
في الاعتراف الأميركي حماس قادرة على مقاومة كيان الاحتلال لسنوات كما انّ الداخل “الإسرائيلي” لا يملك اليوم قدرة الانتقال السلس دون “حرب أهلية”، إلى مرحلة ما بعد نتنياهو، ما يؤكد أنّ الحرب مستمرة، وفرصة الربح المزدوج والاستثمار الأميركي و”الاسرائيلي” في شاطئ غزة باتت ضعيفة وشبه معدمة رغم الجنون “الإسرائيلي” وآلة القتل الهائلة.