كمين المقاومة المركب والنوعي في الزنة يعمّق مأزق نتنياهو ويقوّي موقف المقاومة
حسن حردان
نزلت عملية المقاومة النوعية والمركبة من ثلاث مراحل، كالصاعقة على قيادة جيش الاحتلال، ورئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو، الذي رفع سقف أهدافه من مواصلة الحرب لتحقيق ما أسماه «النصر المطلق»، فإذا برياح المقاومة تجري على غير ما تشتهي سفنه، وحلمه، الذي لا يمكن بلوغه إلا إذا تمكن من سحق المقاومة، لكن هذا الحلم يبدو مع عملية الزنة ازداد تلاشياً، أكثر من السابق، كما تلاشى قبل شهرين مع عملية مخيم المغازي، ليتأكد انّ هذا الحلم مستحيل التحقق وبعيد المنال، وهو سيبقى مجرد حلم يتمناه نتنياهو لكنه غير قادر على تحويله إلى واقع، لأنّ المقاومة تصدمه بقدرتها على توجيه الضربات الموجعة لجيشه الأقوى في المنطقة والمدجّج بأحدث الأسلحة الأميركية المتطورة في العالم.. وتبرهن المقاومة، مع كلّ يوم تستمرّ فيه الحرب، عن مقدرة فائقة منقطعة النظير على مواصلة القتال بقوة وكفاءة لم يكن يتوقعها جيش العدو، الذي بالغ بقدراته وامتلاكه التكنولوجيا العسكرية الحديثة لتحقيق أهدافه وملاحقة المقاومين والقضاء عليهم، فإذا بتقنيات المقاومة المضادة، التي طوّرت حرب العصابات والمدن، أكثر نجاعة في إعطاب التكنولوجيا الصهيونية، وإيقاع جنود العدو ودباباتهم ومدرّعاتهم في فخاخ وكمائن المقاومين الذين استعدّوا جيداً لها واتقنوا نصبها…
والأسئلة التي تطرح…
ـ ما هي الدلالات الهامة التي تؤكدها عملية المقاومة؟
ـ وما هي أهمية حصولها في هذا التوقيت بالذات؟
ـ وبالتالي ما هي انعكاساتها وتداعياتها المتوقعة على الصعيدين العسكري والسياسي؟
أولاً، في طبيعة العملية ودلالاتها…
العملية تكوّنت من ثلاثة مراحل:
المرحلة الأولى، نصب المقاومون كميناً في منطقة الزنة، شرق خان يونس، لثلاث دبابات ميركافا، وقاموا بتدميرها أو إعطابها بواسطة قذائف الياسين 105.
المرحلة الثانية، قام المقاومون بتفجير عبوات ناسفة، زرعوها مسبقاً في المكان، بالقوة الصهيونية التي هرعت لنجدة ونقل المصابين من الجنود وجثث القتلى منهم.
المرحلة الثالثة، ملاحقة الجنود الصهاينة الذين فرّوا إلى إحدى الأبنية وتحصّنوا فيها.
أسفرت هذه العملية المركبة عن قتل تسعة جنود صهاينة، وجرحى لم يحدّد عددهم، وتدمير ثلاث دبابات… وقد شوهدت طائرات العدو تحط بالمكان تنقل القتلى والجرحى…
وفي الذات الوقت كان المقاومون يوجهون ضربة لقوات العدو في حي الأمل غرب خان يونس، حيث تمكنوا من تدمير دبابة وناقلة جند، وقتل خمسة جنود، ليصبح مجموع القتلى في خلال خمس ساعات 14 جنديا، وهو الرقم الأكبر منذ عملية المغازي التي قتل فيها 21 جندياً للعدو.
هذه العملية ونتائجها العسكرية تدلل على الآتي:
الدلالة الأولى، انّ هذه العملية النوعية المركبة تحصل بعد دخول حرب الإبادة الصهيونية الهادفة إلى سحق المقاومة، شهرها السابع، بما يؤكد فشل جيش الاحتلال في سحق المقاومة أو إضعاف قدراتها على القتال…
الدلالة الثانية، أثبتت العملية ان بنية المقاومة لا زالت متينة، وتتمتع بالقدرة والكفاءة والجاهزية على مواصلة القتال ومفاجأة العدو في هجماتها وكأنها لا زالت في اليوم الاول للحرب.
الدلالة الثالثة، ان منظومة القيادة والتحكم لدى المقاومة ما زالت سليمة وبكامل قدرتها على التخطيط وإدارة العمليات وتحديد متى وأين يتمّ استهداف واصطياد جنود العدو وتدمير دباباتهم.
الدلالة الرابعة، انّ عزيمة وشجاعة المقاومين لم تتراجع، فهم يبرهون أنهم على استعداد لمواصلة خوض الحرب طويلة النفس التي تشكل مقتلاً للجيش التقليدي، وقوة للمقاومين الذين يراهنون على تحقيق الانتصار من خلال نجاحهم في شنّ حرب استنزاف مديدة ضدّ قوات الاحتلال بما يؤدّي إلى تكبيدها الخسائر الفادحة وإرهاقها وتحويل احتلالها إلى جحيم لا تستطيع احتماله.
ثانياً، في انعكاسات العملية على مسار الحرب وجيش الاحتلال..
من الطبيعي أن تؤدّي العملية إلى انعكاسات سلبية على جيش الاحتلال ومسار الحرب…
1 ـ زيادة الشكوك لدى قيادة جيش العدو بالقدرة على تحقيق أهداف الحرب.
2 ـ تعزيز موقف بعض القيادات العسكرية العاملين في الخدمة، أو المتقاعدين، لناحية تورّط الجيش في مستنقع من الاستنزاف والدعوة الى الخروج منه بأسرع ما يمكن…
3 ـ إحداث المزيد من الانعكاسات السلبية على الروح المعنوية لدى الجنود الصهاينة وأدائهم في الميدان، حيث سوف يزداد شعورهم بالخوف من الوقوع في كمائن المقاومة وارتباكهم في الدخول إلى أي مكان أو التوغل في اي منطقة.
4 ـ لذلك كله اضطرت قيادة جيش الاحتلال للمسارعة إلى سحب قوات جيش الاحتلال من خان يونس والمناطق المحيطة بها إلى حدود القطاع لتجنب هجمات المقاومة أو الوقوع في كمائنها، ولم يبق في غزة إلا لواء ناحال الذي يتواجد على الطريق الفاصل بين الشمال والجنوب.. وبهذا المعنى يمكن القول إنّ عملية الزنة جاءت لتتوّج الفشل الإسرائيلي وتنهي حلم نتنياهو في القضاء على المقاومة، وتجبر قيادة جيش العدو على الانكفاء وتغيير استراتيجيتها العسكرية…
ثالثاً، في أهمية توقيت العملية…
انّ حصول العملية في هذا التوقيت بالذات يستمد أهميته من كونها جاءت عشية استئناف المفاوضات غير المباشرة في القاهرة حول شروط تبادل الأسرى، وفي لحظة ازدياد مأزق نتنياهو على خلفية تفاقم حدة الانقسامات والصراعات داخل الكيان الصهيوني، والفشل في غزة، والتوتر المتزايد في العلاقة مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، ولهذا من الطبيعي والمتوقع ان تؤدي العملية إلى…
1 ـ تعزيز قوة موقف وفد المقاومة في المفاوضات، الذي بات أكثر يقيناً بأنّ المقاومة في الميدان لا زالت قوية ولم تضعف، وهذا ما يجعل الوفد أكثر صلابة وتمسكا بشروط المقاومة لتبادل الأسرى،
2 ـ في المقابل فانّ الوفد الإسرائيلي يذهب إلى المفاوضات وليس في جعبته ايّ إنجاز عسكري يقوّي موقفه، بل انه يذهب في توقيت تلقى فيه ضربة قاسية وموجعة تثبت استمرار فشله وإخفاقه، وتجعله ضعيفاً في القدرة على فرض شروطه…
3 ـ كما أنها تزيد من ضعف موقف نتنياهو في مواجهة إدارة بايدن التي تضغط عليه لتسهيل التوصل إلى اتفاق مع المقاومة، لا سيما أنّ العملية تأتي لتؤكد انه لا جدوى من انتظار تحقيق إنجاز في الميدان لن يتحقق، خاصة أنّ رهان القضاء على المقاومة وفي الطليعة حركة حماس تبيّن انه ليس ممكناً كما أثبتت الوقائع..
4 ـ تعزيز موقف المعارضة الإسرائيلية وزيادة تأييد الاسرائيليين للضغط على نتنياهو لقبول مطالبها بالتوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى وإجراء انتخابات مبكرة.. ولهذا من المنتظر ان تؤدّي عملية المقاومة إلى زيادة حدة الانقسام والصراعات داخل الكيان الصهيوني.. الأمر الذي يؤدّي إلى مزيد من إضعاف الجبهة الداخلية الإسرائيلية المؤيدة لاستمرار الحرب، ويعمّق مأزق نتنياهو ويضعف موقفه في الداخل الاسرائيلي، في مواجهة معارضيه.