هل الفيدرالية في العراق بخطر؟
محمد حسن الساعدي
الدستور العراقي حكم العلاقة بين الحكومة المركزية وبين إقليم كردستان، ونظم عمل الحكومات الفيدرالية في البلاد، ولكن بعد إصدار المحكمة الاتحادية العليا عدة أحكام وقرارات تخص طبيعة العلاقة بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان، والذي يتمتع بالحكم الفيدرالي منذ ثمانينيات القرن الماضي، تعرّضت للكثير من النقد من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني، حيث عدّها تحدياً للدستور ولمبادئ الفيدرالية التي تمّ التوافق عليها إبان تشكيل بناء الدولة عام 2003.
على مدى ثلاثة عقود تمتع إقليم كردستان بمستوى عال من الاستقلال السياسي والحكومي عن الحكومة المركزية في بغداد، حيث عدّته القيادات الكردية إنجازاً تاريخياً ولد من رحم النضال ضد الديكتاتورية، ولكن بدا هذا الوضع مختلفاً تماماً وسط بيئة أكثر استقراراً، ووجود حكومة مستقرة ومتماسكة سياسياً تحاول تقويض الحكم الذاتي لإقليم كردستان إذ يبدو أنّ ميزان القوى يميل نحو المركز.
المحكمة الاتحادية العليا أصدرت حكمين في العلاقة بين الإقليم والمركز، إذ نقل القرار الأول صلاحيات دفع رواتب موظفي حكومة إقليم كردستان الى وزارة المالية في الحكومة الفيدرالية، وفرض على الإقليم تسليم الإيرادات النفطية وغير النفطية الى حكومة المركز، وإما الحكم الثاني فقد نظّم هيكلية الانتخابات لبرلمان الاقليم، وبهذا القرار ألغى مقاعد البرلمان الـ 11 المخصصة للأقليات العرقية والدينية.
إنّ إلغاء مقاعد الكوتا المخصصة للأقليات لبرلمان الإقليم يثير مخاوف أكبر بكثير من احتمال إلغاء هذه المقاعد لاحقاً في البرلمان العراقي، على الرغم من أنّ الدستور العراقي يضمن التمثيل السياسي للأقليات، إلا انه لم يذكر (الكوتا) باستثناء 25% نسبة تمثيل النساء في البرلمان، وهذا ما تعتبره الأقليات مصدر قلق لها يهدّد تمثيلها السياسي في الدولة.
النتيجة الطبيعية في زيادة قوة بغداد واستقرارها هي أنها ستقاوم إجراءات حكومة إقليم كردستان، والتي تعتبرها بغداد تجاوزاً، حيث يعمل الإقليم بإجراءات تعدّ أكبر من كونها كياناً يتمتع بشبه حكم ذاتي، وخاصة في إدارة العمليات الأمنية والسياسة الخارجية، وهذا ما ينظر إليه المراقبون على انه تراجع عن الفيدرالية في العراق، وأنّ حكومة أقليم كردستان تتعرّض لضغوط دولية من أجل إبقائها تحت سلطة الحكومة المركزية، والتنازل عن امتيازاتها التي كانت تتمتع بها دون رفض لها.
بغداد لا تريد تفكيك حكومة إقليم كردستان ولا تحمل راية أيّ تعقيدات يمكن ان تحصل في إدارة الاقليم، وحسب ما يرى المراقبون أنّ الحكومة المركزية بعيدة كلّ البعد عن هذا الهدف، وما تسعى إليه هو فقط تنظيم العلاقة بينها وبين الإقليم بشكل صحيح، وعلى أساس المحافظة على صلاحية الدولة العراقية في إدارة البلاد، والتمسك بملف العلاقات الخارجية والنفط وملف الحدود والمنافذ الحدودية، وما سواه ملفات داخلية يمكن النقاش وإيجاد الحلول لها، وأنّ الهوية والتاريخ الكردي حق كفله الدستور العراقي لا يحق لأيّ جهة التلاعب به، وأنّ خارطة العراق يكفلها الدستور ولم تستطع كلّ المتغيّرات السياسية منذ قرن من الزمن المسّ بهذه الوقائع…