العقد الاجتماعي… رؤية مستقبلية لوطن أفضل
عباس قبيسي
حتى لا نبقى في المربع الأول وتتجرّع الأجيال القادمة زعاف العقد الاجتماعي الحالي وتصبح في عداد الضحايا داخل نظام طائفي رجعي متخلف ما زال يدرّس تاريخ الاحتلال العثماني والمتصرفية وحكم الانتداب الفرنسي وكأنهم نظرية أزلية خالدة صمّمت لأسلافنا ولنا ولما بعدنا ولقيادة القطيع الفكري المستقبلي بأسْره.
العقد الاجتماعي هو فكرة تاريخية وفلسفية تقول بأنّ الحكومة والسلطة السياسية، والقوانين والأنظمة، يجب أن تنشأ عن طريق اتفاق المجتمع ككلّ، ويقوم الأشخاص في هذا المجتمع بالتنازل عن بعض الحقوق الفردية للحصول على الحماية الاجتماعية والأمن والرفاهية من جانب الحكومة، ومن أشهر المؤلفين الذين تحدثوا عن فكرة العقد الاجتماعي الفيلسوف جان جاك روسو.
أولاً: فصل الدين عن السياسة، هو مسألة حساسة ومعقدة ومن الممكن العمل على بعض الخطوات الرئيسية لتحقيق الهدف، منها تأكيد فصل النظام السياسي عن النظام الديني، وتفريق السلطة السياسية عن السلطة الدينية، الحفاظ على حرية المعتقد وحرية التعبير لجميع المواطنين بغضّ النظر عن دينهم، وبتوفير الفرص والموارد اللازمة لهذا التعبير، التركيز على العدالة والمساواة بين المواطنين، التأكد من أنّ الأنظمة والقوانين تحترم حقوق الإنسان وتضمن حماية متساوية للجميع. بالإضافة إلى ذلك، يمكن خلق مناخ حواري بين القوى السياسية المختلفة والجماعات الدينية وأفراد المجتمع المدني من أجل الوصول إلى تفاهمات بناءة بينهم وتعزيز الوحدة والتضامن.
ثانياً: العمل على تطوير قانون الأحوال الشخصية، وهو القانون الذي ينظم العلاقات الشخصية والأسرية في دول عديدة حول العالم، ويتناول هذا القانون العديد من القضايا المتعلقة بحياة الأفراد وشؤونهم الشخصية، مثل الزواج، والطلاق، والولاية على الأطفال، والميراث والإرث. على الرغم من أنّ قوانين الأحوال الشخصية تختلف من دولة لأخرى، إلا أنها في العادة تستند إلى تشريعات دينية أو تقاليد وعادات محلية أو قوانين دولية، وبالنسبة لتعديل قانون الأحوال الشخصية، فإن ذلك يعتمد على الاهتمامات والاحتياجات القانونية والاجتماعية للدولة، وقد يقترح التعديل على القانون بناءً على متغيّرات اجتماعية وديموغرافية مثل تغير نسب الطلاق أو زيادة العنف الأسري أو حقوق المرأة، وطلبات الزواج أو الطلاق.
ثالثاً: يُعتبر التحديث والتطوير لبعض القوانين والتشريعات لمواكبة العصر الرقمي من الأمور الضرورية لتحسين الحياة الاجتماعية وبناء مجتمع مستدام يستفيد من التكنولوجيا والتقدم الحاصل في ميادين الحياة.
رابعاً: إلغاء الطائفية السياسية كما نصت الفقرة بحرفيتها في اتفاق الطائف منذ 35 عاماً، هو هدف وطني أساسي يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطة مرحلية، وعلى مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق هذا الهدف وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية، تضمّ بالإضافة إلى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية. مهمة الهيئة دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديمها إلى مجلسي النواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية.
أ ـ إلغاء قاعدة التمثيل الطائفي واعتماد الكفاءة والاختصاص في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والمختلطة والمصالح المستقلة وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني، باستثناء وظائف الفئة الأولى فيها وفي ما يعادل الفئة الأولى فيها وتكون هذه الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين دون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة.
ب ـ إلغاء ذكر الطائفة والمذهب في بطاقة الهوية.
خامساً: قانون انتخابات نسبي على أساس لبنان دائرة انتخابية واحدة خارج القيد الطائفي والمذهبي والإنتقال إلى الدولة المدنية.
سادساً: وضع خطة مالية واقتصادية قابلة للحياة والتي تساعد على النمو حيث تتطلب مجموعة من الإجراءات والخطوات، ومن بينها، تحليل الوضع الاقتصادي الحالي، تحديد الأهداف والأولويات، وضع سياسات النمو وتنفيذها، حشد الموارد والجهود اللازمة لتنفيذ الخطط بما في ذلك الاستثمار في البنية التحتية وتوفير القروض والتمويل اللازمين وتطوير المهارات والكفاءات اللازمة، ويجب على الحكومة تقييم نتائج تنفيذ الخطط والأثر الاقتصادي والمالي الناتج عنها، وإجراء التعديلات اللازمة لتحسين النتيجة في المستقبل.
سابعاً: حماية التراث والأرث الثقافي، هي مسؤولية هامة وجوهرية تتطلب التركيز على حفظ وحماية تاريخ وثقافة المجتمع والأمم، والمحافظة عليها ويجب أن يكون هناك التزام من الحكومة والمؤسسات والأفراد للحفاظ على التراث والأرث الثقافي وحمايته، عبر تحديد وحماية المواقع التاريخية والأثرية، توعية الجمهور، التعاون الدولي والتنسيق بين الدول لحماية والحفاظ على المواقع الأثرية المشتركة، وتسهيل التنقل بين الدول للأهداف الثقافية وإعادة التأهيل والترميم حيث يتطلب ذلك تطوير الخطط والبرامج لأيّ موقع تاريخي أو أثري يحتاج إلى ذلك، بالإضافة تعزيز الأبحاث الثقافية حول تاريخ المواقع التاريخية والأثرية، ووضع خطط للحفاظ عليها ونقلها للأجيال القادمة.
ثامناً: المحافظة على الثروات الطبيعية، إنّ الأجيال القادمة هي مسؤولية مشتركة تتطلب تعاوناً من جميع الأطراف وتهدف إلى حماية الطبيعة والمحافظة على الموارد الطبيعية، ومن أبرز الإجراءات التي يمكن اتخاذها حماية المناطق الحيوية، التخطيط البيئي، تقليل الانبعاثات الضارة، تحقيق الاستدامة في الزراعة، تثقيف الجمهور، علاوة عن ذلك، يجب على الحكومة تشجيع الاستثمار في التقنيات الصديقة للبيئة، وتطوير السياسات والتشريعات اللازمة للحد من تلوث البيئة، وتشجيع الأفراد والمجتمعات والشركات على المشاركة في إجراءات المحافظة على الثروات الطبيعية وتحقيق الاستدامة البيئية.
تاسعاً: إنشاء نظام حماية اجتماعية منصف وملائم لإدارة المخاطر والصدمات، وحماية الأسر الأكثر فقراً، وتعزيز استفادة السكان من الفرص الاقتصادية، وتشمل برامج الحماية الاجتماعية الضمان الاجتماعي، (المعاشات التقاعدية، والتأمين ضدّ البطالة، والتأمين الصحي، وبرامج المساعدات وغيرها).
إنّ صياغة عقد اجتماعي جديد، يجب أن يتشكل من فريق عمل يتكون من أشخاص ذوي خبرة وخلفيات متنوعة، ويتمّ تعيين قيادة فعّالة قادرة على تحليل الوضع الحالي للمواطنين والحكومة والقوانين والأنظمة الموجودة وتحديد النواحي التي تحتاج إلى تحسين وإصلاح وتكون متمكنة من الحوار وتتبادل الآراء مع جميع الفئات، والإستماع إلى مخاوفهم وهواجسهم وتحدد القضايا المشتركة وتدعو الأطراف المعنية إلى طاولة الحوار بعد تحديد القيم المشتركة والمبادئ الأساسية التي يمكن الاتفاق عليها بين الأطراف المختلفة التي تؤدي الى تطوير سياسات وإجراءات وأنظمة جديدة والعمل على التوعية والتثقيف لتحقيق أهداف العقد الاجتماعي الجديد.