24 ساعة أميركية وبعدها يبدأ الزمن الإيراني
ناصر قنديل
في الكلمة التي ألقاها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في حفل تأبين القيادي في الحرس الثوري الإيراني العميد محمد رضا زاهدي، إشارة إلى وجود فرصة تفاوضيّة من غير المعلوم مدى قدرتها على إحداث اختراق نحو اتفاق، لكن السيد نصرالله يعيد هذه الفرصة للديناميكية التي تولدت بعد الغارة الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية في دمشق واستشهاد العميد زاهدي ورفاقه، وصدور القرار الإيراني الحاسم بالرد الرادع، وجوهر هذه الديناميكية ينطلق من إدراك أميركي بخطورة الوضع الذي تسبّبت به السلوكيات الإسرائيلية الهستيرية في إدارة الحرب وتجاوزها كل الخطوط الحمر، سواء في استفزاز إيران بطريقة تمنحها مشروعيّة لا نقاش فيها لحق الرد، أو بالطريقة التي تمّت بها عملية اغتيال عناصر الإغاثة في مؤسسة المطبخ العالمي المركزي التي ترعاها حكومات الغرب، إضافة لمواصلة التوحش والتجويع بحق المدنيين في غزة بطريقة استثارت ردات فعل في الرأي العام الغربي يصعب تجاهله بدأت مفاعيله تظهر تحوّلا في مواقف الحكومات التي كانت بالأمس تؤيد «إسرائيل»، وبالتالي استحالة وقوف أميركا تتفرّج وهي التي تنزف فيها شعبية رئيسها كمرشح رئاسي مهدّد بالسقوط، لأنها لا تستطيع ترك «إسرائيل» لمصيرها، ولا تستطيع تقبّل هزيمتها لأنها تعرف تبعات هذه الهزيمة على خريطة المنطقة والنفوذ الأميركي فيها.
ربط السيد نصرالله، مجموع الخطوات الأميركيّة الضاغطة على حكومة بنيامين نتنياهو، منذ المحادثة الهاتفية بينهما كما نشرت وقائعها في الإعلام الأميركي نقلاً عن مسؤولين أميركيين، وصولاً الى الإشراف المباشر على مفاوضات القاهرة وحثّ نتنياهو على إرسال وفد مفوض بصلاحيات لتسريع التوصل إلى اتفاق، ولفت الإنتباه الى أن استجابة نتنياهو هي الأمر الطبيعي عندما تقرّر أميركا بجدية، بل إن خطوات نتنياهو للتخفّف من أحمال تفاوضيّة مثل الانسحاب من غزة، وإدخال المساعدات الإنسانية، لسحبها عن طاولة التفاوض كبنود تطلبها المقاومة، واعتبار أنها قد حُلّت أصلاً ولا داعي للتفاوض عليها، بهدف تخفيض البريق الإعلامي لأي اتفاق وتصويره مجرد اتفاق على تبادل أسرى ووقف النار، وهذه هي العناوين الاسرائيلية. بينما عناوين مثل عودة النازحين وتأمين المساعدات الإنسانية وانسحاب قوات الاحتلال، فيسعى نتنياهو لإنجاز تحقيقها، لكن على طريقته المفخخة والواقعة تحت السيطرة.
أمران لا يستطيع أحد البتّ بهما، هما المدى الذي يمكن للجدية الأميركية بلوغها، وبالتالي المدى الذي يمكن لنتنياهو المضي به في التفاوض نحو اتفاق ترضاه المقاومة، بالرغم من ملاحظة أن مسافة من الطريق بهذا الاتجاه قد تم قطعها، أما الثاني فهو حدود التعديل الذي يمكن أن تدخله إيران على خططها للردّ إذا تم التوصل الى اتفاق ترضاه المقاومة، تخفيض مستوى الاستهداف ام تأجيل موعد الرد، أم صرف النظر عنه، خصوصاً أن أسباب إيران للردّ والتي لا تنفصل عن الأهداف العليا لمحور المقاومة، لا تلغي وجود أسباب تتصل بالكرامة الوطنية ومفهوم السيادة، وقوة الردع، بالنسبة لدولة إقليمية ودولية عظمى مثل إيران.
عملياً مع حلول عيد الفطر المبارك يوم الأربعاء سوف تكون فرص التوصل الى اتفاق قد ضاعت ما لم يعلن الاتفاق صباح يوم العيد، وهذا يعني أن المنطقة أمام 24 ساعة أميركيّة تنتهي مع انتهائها فرص التوصل الى اتفاق، وفيما يتوهم نتنياهو أنه نجح باسترداد المبادرة من واشنطن بإحباط فرص الاتفاق، فإن الحقيقة هي أن المنطقة ومن ضمنها كيان الاحتلال سوف تدخل الزمن الإيراني مع نهاية الساعات الأميركية.