أولى

عبَرت المُسيَّرات والصواريخ إلى فلسطين… وغداً نحن

‭}‬ أحمد بهجة

المشهد رائع وغير مسبوق، في أجواء فلسطن، كلّ فلسطين، ومعها عدد من الدول التي مرّت في أجوائها الطائرات المُسيّرة والصواريخ الإيرانية، في عملية «الوعد الصادق»، والتي وصل بعضها إلى الأهداف المحدّدة بدقة، وهي كلها أهداف عسكرية منتقاة، خاصة ذلك المطار العسكري في النقب الذي تمّ تدميره وأصبح خارج الخدمة، ومنه كانت انطلقت الطائرات «الإسرائيلية» المعادية التي استهدفت القنصلية الإيرانية في دمشق حيث ارتقى إلى الشهادة عدد من قادة وضباط فيلق القدس، وهو ما استوجب الردّ الإيراني المميّز.
إذا وضعنا جانباً أولئك المغرضين الذين كانوا يزايدون ويطالبون إيران بالردّ، أو كانوا يجزمون بأنّ إيران لن تردّ، وحين أتى الردّ قالوا إنه «مسرحية فاشلة»! إذا وضعنا هؤلاء جانباً، وهم بالفعل ساقطون على الجوانب، فإنّ الغالبية الكبرى والمطلقة من أبناء شعبنا العربي لم تنم ليلة السبت ـ الأحد وقد غمَرتها مشاعر الفرح والاعتزار والفخر وهي تقف على الشرفات وعلى سطوح المنازل، أو تتسَمّر أمام شاشات التلفزيون أو الهواتف لتشاهد المُسيّرات والصواريخ وهي تعبُر الأجواء باتجاه فلسطين، وخاصة حين مرّت فوق القدس والمسجد الأقصى وبيت لحم… ولسان حال الناس يقول: اليوم وصلت الطائرات والصواريخ وغداً سنصِل نحن إلى القدس ونُصلي خلف سيد «الوعد الصادق».
الأكيد أننا أمام مشهد جديد كلياً على المستوى الاستراتيجي، ليس فقط على الصعيد الإقليمي بل أيضاً على الصعيد الدولي، والأسباب هنا كثيرة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر الفيتو الروسي ـ الصيني المزدوج الجاهز لمنع صدور أيّ قرار عن مجلس الأمن الدولي ضدّ إيران، وكذلك الشراكة بين روسيا والصين وإيران والتنسيق الدائم لا سيما في الجوانب الاقتصادية العالمية وتحديداً في منظمة شنغهاي ومجموعة بريكس، وهذا التنسيق يطال طبعاً المستوى الاستراتيجي الذي سبق ذكره، ولعلّ الصاروخ الباليستي التجريبي الروسي الذي عبَر فوق إيران والعراق وسورية وفلسطين يمثل رسالة واضحة بأنّ طريق الهند التجاري غير سالك، وهذا ما أكده أيضاً قيام إيران، بالتزامن مع إطلاق الصاروخ الروسي، باحتجاز سفينة «إسرائيلية» في الخليج، بما يعني قطع طريق الإمداد لـ «إسرائيل».
لقد دخلنا فعلياً في زمن تغيير الخرائط، كما عبّر وزير خارجية إيران الدكتور حسين أمير عبد اللهيان في أول زيارة له إلى بيروت بعد عملية «طوفان الأقصى» الأسطورية في 7 تشرين الأول 2023، ذلك أنّ الاختراق الكبير الذي حدث للمرة الأولى للأراضي المحتلة عام 1948 له ما بعده بالتأكيد، وها هو الهجوم الإيراني يصل إلى كلّ فلسطين ويعبُر في سمائها الجميلة الصافية التي انتظرت كثيراً مثل هذا اليوم التاريخي.
أما للمغرضين الذين ربما تكون غالبيتهم عندنا في لبنان فإننا نقول إنّ كلّ محاولاتكم ومساعيكم لإحداث فتنة داخلية من أجل إراحة العدو الصهيوني لن تمرّ مهما ارتفعت أصواتكم وعويلكم، ومهما تحمّلنا نحن من صعاب لكي نكتم غيظنا ونطيع أصحاب الأمر والنهي الذين نثق بهم ثقة مطلقة إلى أقصى الحدود.
والأكيد أنّ الردّ الإيراني ليس مسرحية على الإطلاق، لأنّ المسرحية الفعلية هي تلك التي لا نزال نشاهدها إلى اليوم وقد شاهدها قبلنا آباؤنا وأجدادنا لسنوات طويلة حين ضاعت فلسطين فيما الأنظمة العربية أو معظمها نائمة وساكتة ومتخاذلة، ومنها مَن أسهم بالأمس في إسقاط بعض المُسيّرات والصواريخ الإيرانية المتجهة إلى الكيان الإرهابي المجرم، والعجيب أنّ هؤلاء فضّلوا إسقاطها على أبناء شعبهم على أن تصل إلى أهدافها الفعلية في المواقع العسكرية في كيان الاحتلال!؟
ختاماً… «المسرحية» مستمرةّ، ولم تُسدل الستائر بعد، ولا شكّ أنّ هناك مشاهد أخرى آتية، لكن المشهد الأخير الذي رأيناه جميعاً يدلّ على المستوى الاستراتيجي الجديد الذي بلغه الصراع ضدّ العدو الصهيوني، هذا المشهد اللافت يظهر أبناء غزة وفلسطين ولبنان وجنوبه كيف كانوا يستقبلون الصواريخ والمُسيّرات المتجهة إلى فلسطين بالتهليل والتكبير فيما كان بنيامين نتنياهو ووزراؤه يختبئون في الملاجئ…

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى