ماذا لو قرّرت «إسرائيل» الردّ على إيران؟
ناصر قنديل
– الأكيد أن كيان الاحتلال ليس في وضع مريح استراتيجيًّا يتيح له احتواء واستيعاب المزيد من الخسائر المعنوية والاستراتيجية، بعد الخسارة الكبرى التي تسبّب بها طوفان الأقصى، وتواصلت بعده الخسائر في الفشل الذريع في الحرب على غزة، مع استعصاء مهمّتي القضاء على المقاومة واسترداد الأسرى، ثم الفشل على جبهة لبنان بالعجز عن تثبيت فعاليّة الردع والفشل في ضمان عودة المهجَّرين من مستوطني الشمال. والمأزق الإسرائيلي كبير لدرجة لا يبدو معها احتواء تداعيات الرد الإيراني، بعد فشل محاولات تسويق التخفيف من أهميّته وحجم تأثيره خلال الساعات الماضية، رغم المساهمة الأميركية البريطانية في الحديث عن فشل استراتيجيّ إيرانيّ، وتعظيم إنجازات التصدّي للصواريخ والطائرات الإيرانية المسيّرة، بحيث كانت الخلاصة التي يجري تداولها في كل وسائل الإعلام الإسرائيلية وعلى ألسنة كبار المحللين والقادة العسكريين السابقين، أن “إسرائيل” تلقت صفعة استراتيجيّة قاسية، وأن عدم الرد يعني التسليم بمعادلات جديدة على “إسرائيل” التأقلم معها كدولة ضعيفة عاجزة تعتمد على الحماية الأميركية وتلتزم التعليمات، والتسليم بأن حلم بن غوريون بدولة مستقلة في قرار الحرب قد سقط وانتهى.
– مشكلة “إسرائيل” في كل التعقيدات التي تواجهها وقد تفاقمت منذ طوفان الأقصى وصارت معضلات راهنة واستحقاقات داهمة، مثل قضيّة حرب غزة لإنهاء المقاومة وقضيّة استعادة الأسرى وأمن مستوطنات غلاف غزة وعودة مهجّري مستوطنات الشمال، أنّها تعقيدات غير قابلة للحل على طريقة رابح رابح في السياسة. فكل حل تفاوضيّ سوف ينتهي بالاختيار بين العودة الى الحرب أو القبول بتكريس معادلة هزيمة في أي تسوية، بحيث إن التقدّم والتراجع يتساويان في جلب المزيد من الأزمات، ولذلك اختارت حكومة بنيامين نتنياهو الذهاب إلى لعبة تكبير الدائرة عبر استهداف القنصلية الإيرانية في سورية، أملًا بفتح كوة في جدار الحلقات المفرغة التي علقت في داخلها منذ طوفان الأقصى، وفشلت بكسرها خلال ستة شهور.
– في قراءة موازية للرد الإيراني وما يمثله من تحدٍّ إضافي للكيان، هو أنه يمكن أن يشكل فرصة أيضاً أفضل من سائر فرص جبهات الاستنزاف الأخرى، أو أنه على الأقل يحمل بين التعقيدات فرصة تحقيق معادلة أقلّ إذلالاً في الشعور بالهزيمة، سواء إذا صمتت “اسرائيل” عن الرد، او إذا راهنت على العودة إلى معادلات وجبهات ما قبل استهداف القنصلية وما تلاها من رد إيراني، حيث ثمة طريق واحد سالك هو القبول بشروط حماس لوقف الحرب في غزة، بينما يمكن الاستثمار على ما أظهرته مواجهة الرد الايراني، من شراكة أميركيّة وغربيّة، أن ما يحتاج الى فحص ليس استعداد واشنطن للمشاركة بالرد على ايران، او حتى موافقتها الصريحة على الرد، بل مدى استعدادها للمشاركة في مواجهة الرد الإيراني على الردّ، كما حدث في المرة السابقة قبل يومين، فهل سوف تترك واشنطن “إسرائيل” وحدها أم سوف تسارع الى حمايتها كما فعلت، وإن كان الأمر كذلك فلم لا تفكر “إسرائيل” بالردّ، حتى لو ترتب على ذلك تصاعدٌ في مواجهة، سوف تنتهي حكماً بتسويات، يكون مداها الإقليمي أكبر من حرب غزة، وتكون خلالها “إسرائيل” شريكاً لأميركا، فتضيع الأثمان في تعدد الجبهات، وتصغر الأثمان بسبب كبر حجم المشاركين في حرب الكبار، ويكون عنوان التسوية منع نشوب حرب كبرى يبرر بنظر الرأي العام في كل الساحات تقديم تنازلات بعيداً عن معادلة نصر وهزيمة.
– في مواجهة هذه المقاربة تصعد مجموعة محاذير وحسابات، أولها أن أميركا التي لن تترك “إسرائيل” لن تقوم على الأرجح بالمشاركة بطواقم أميركية في التصدّي للرد الإيراني على الرد الإسرائيلي، خشية تعرُّض القواعد الأميركية للخطر، وبالتالي ستزود “إسرائيل” بالوسائل التقنية والعتاد اللازم، لكنها لن ترغب بالظهور في الواجهة، كما فعلت قبل يومين، وثانياُ أن دول المنطقة التي قدّمت تسهيلات للتصدّي للرد الإيراني، وخصوصاً الأردن والبحرين، لن تكون في وضع مريح هذه المرّة، بعد التهديد الإيراني، خصوصاً إذا لم يكن الأميركي صاحب حضور مباشر علني، وثالثاً أن الردّ الإيراني هذه المرة قد لا يكون مجردّ ردّ تكتيكيّ في جولة ملاكمة، بل قد يذهب إلى ردّ رادع فعليّاً، بمعنى تحقيق إصابات تشلّ قدرة “إسرائيل” على الردّ اللاحق، مثل إخراج مطارات “إسرائيل” عن الخدمة وتعطيل محطات الكهرباء، وإصابة شبكة الاتصالات وتوزيع الإنترنت، ومنصات الغاز والنفط، ورابعًا التحسّب لاحتمال اشتراك أطراف محور المقاومة في الردّ على الردّ، نحو خلق واقع جغرافيّ جديد، يقطع حرب الاستنزاف ويفتح الطريق لمرحلة جديدة، خصوصاً من الجبهة الشمالية الشرقية، مع استعداد المقاومة العراقيّة التموضع في جبهة الجولان، وشعور المقاومة اللبنانية بأن رسائل من عيار جديد صار ضرورياً لتسريع ديناميكيّة إنهاء الحرب على غزة.
– الحمقى دائماً يخطئون في إقامة التوازن بين المكاسب الافتراضيّة والأكلاف الحقيقيّة. وهكذا يفعل المقامرون. فكيف إذا كان على رأس الكيان مقامر أحمق؟