العجز العربي والقدرة الإيرانية!
} د. محمد سيد أحمد
منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر الماضي والعدو الصهيوني يمارس أبشع جرائمه في حق الشعب العربي الفلسطيني في غزة، حيث قام بقتل المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ بدم بارد في حرب إبادة تحت سمع وبصر العالم أجمع، وبتأييد ودعم أميركي وغربي منقطع النظير، ولم تتمكن المنظمات الدولية المزعومة وعلى رأسها الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي، ومحكمة العدل الدولية، ورغم ثبوت إدانة العدو الصهيوني من وقف المجازر الهمجية الوحشية واللاإنسانية التي ترتكبها حكومة اليمين المتطرف التي يقودها بنيامين نتنياهو ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، والذي منع دخول المساعدات الإنسانية حتى خيّمت المجاعة على قطاع غزة.
وخلال هذه الأزمة ظهر بشكل واضح مدى العجز العربي في مواجهة العدو الصهيوني، وعدم القدرة العربية عن التصدّي لهذا العدو وإجباره على وقف عدوانه وإدخال المساعدات الإنسانية لإنقاذ الشعب الفلسطيني المحاصر من شبح المجاعة.
وعبر شهور الحرب في غزة لم نجد من الحكومات العربية مجتمعة إلا بعض البيانات التي تتضمّن شجباً وتنديداً بالعدوان ودعوات عاجزة لوقف الحرب ومناشدة العدو بإذلال لكي يسمح بمرور المساعدات، ورغم ذلك لم يستجب العدو لكل الدعوات التي قامت بها الحكومات العربية عبر القمم والاجتماعات التي عقدت خصيصاً لذلك، ومن العجيب أن بعض الحكومات العربية صرح مسؤولوها بتصريحات تساوي بين القاتل والمقتول، ومنهم من أدان المقاومة. والأعجب وقوف بعض الحكومات في صف العدو الصهيوني ومساعدته ودعمه في حرب إبادة شعبنا العربي الفلسطيني في غزة.
وفي مقابل هذا العجز العربي خلال شهور الأزمة تجلت القدرة الإيرانية بشكل واضح، حيث أعلنت الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ اللحظة الأولى الوقوف في خندق دعم غزة في مواجهة العدو الصهيوني، وذلك عبر دعم المقاومة الفلسطينية البطلة والشجاعة التي مرّغت الأرض بوجه جيش الاحتلال، وأذلّت جنوده وقادته، ودمّرت الآلة العسكرية الصهيونية التي كانت تُوهم العالم بأنها أسطورة لا يمكن قهرها، فجاءت عملية طوفان الأقصى لتثبت للعالم أجمع أن المقاومة تمتلك قدرات هائلة بفضل الدعم الإيراني، وقادرة على الصمود أمام الآلة العسكرية الصهيونية المجرمة وهزيمتها شر هزيمة رغم الخسائر التي تكبّدها أهالينا في قطاع غزة، ورغم وحشيّة جيش العدو الصهيوني.
ولم تكتفِ إيران بدعم المقاومة الفلسطينية في الأراضي الفلسطينية المحتلة وخاصة في قطاع غزة بل نسّقت لدخول الحرب إلى جانب فلسطين منذ اليوم الثاني لعملية طوفان الأقصى، حيث أعطت إشارة البدء وبتنسيق على أعلى مستوى للمقاومة اللبنانية للاشتباك مع قوات العدو على الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة. وبالفعل تمكنت المقاومة اللبنانية البطلة والشجاعة من تكبيد العدو الصهيوني خسائر هائلة، وأجبرت العدو على حشد ثلث قواته على هذه الجبهة والتي كانت ستتّجه حتماً صوب غزة، واضطر العدو لإخلاء المستوطنات المتاخمة للجنوب اللبناني وقام بتهجير المستوطنين الصهاينة إلى الداخل مما شكّل ضغطاً رهيباً عليهم وجعلهم يثورون في وجه حكومة بنيامين نتنياهو ويطالبونه بوقف الحرب، لكي يتمكنوا من الخروج من الأراضي المحتلة والعودة إلى الدول التي جاءوا منها ولا زالوا يحملون جنسيتها إلى جانب الجنسية الإسرائيلية.
والأمر نفسه حدث مع المقاومة اليمنية التي تلقى كل الدعم من إيران، حيث أمدّتها بالأسلحة النوعية المتطورة، والتي مكنتها من السيطرة شبه الكاملة على البحر الأحمر وباب المندب، وقامت بتوجيه ضربات موجعة للعدو الصهيوني ومنعت السفن الصهيونية من المرور بالبحر الأحمر وباب المندب أولاً، ثم منعت كل السفن التي تتعاون مع العدو الصهيوني أو المتجهة إليه، ورغم التهديدات الأميركية والغربية للمقاومة اليمنية إلا أنها لم تستجب، وأكدت أنها لن تترك حركة الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب لطبيعتها إلا إذا أوقف العدو الصهيوني عدوانه على قطاع غزة وسمح بمرور المساعدات الإنسانيّة للشعب العربي الفلسطيني المحاصر هناك، ولم تكتف إيران بدعم المقاومة اليمنية في البحر الأحمر بل قامت بنشر قواتها البحرية في البحر الأحمر وقامت قواتها ولأول مرة وبشكل مباشر بالقبض على سفينة مملوكة لرجل أعمال صهيوني وإجبارها على التوجه للسواحل الإيرانية.
وبالطبع كانت إيران الداعم الأول للمقاومة العراقية التي وجّهت ضربات صاروخية للقواعد الأميركية في سورية والعراق، كرد فعل على الدعم الأميركي للعدو الصهيوني وأكدت المقاومة العراقية أن ضرباتها سوف تستمرّ حتى تتوقف الآلة العسكرية الصهيونية المجرمة عن عدوانها على غزة.
ونظراً للتنسيق الدائم بين إيران وسورية قام العدو الصهيوني بعمل خسيس، حيث استهدف بعض القيادات الأمنية الإيرانية الموجودة في القنصلية الإيرانية بدمشق، وهو العمل المجرم الذي استدعى دخول إيران في مواجهة مباشرة مع العدو الصهيوني، حيث أكدت كل القيادات السياسية والعسكرية الإيرانية أنها سوف ترد على العدو الصهيوني. وتجلّت القدرة الإيرانية في تحديد موعد الرد، وبالفعل انطلقت المُسيّرات والصواريخ الإيرانية صوب الأراضي الفلسطينية المحتلة ووقف العالم أجمع ينتظر وصولها، وبالفعل أصابت الأهداف المحدّدة، ونجحت عملية الوعد الصادق كجزء من الرد الإيراني على العدوان الصهيوني المجرم على سفارتها في دمشق.
ومن العجيب حقاً ردود الفعل العربية على عملية الوعد الحق، فالعاجزون أطلقوا أبواقهم الإعلامية المختلفة خاصة على السوشيال ميديا للتقليل من الإنجاز الإيراني، فوجدنا من يقول إن العملية لم تحقق خسائر للعدو الصهيوني، ومن يصفها بأنها مسرحية متفق عليها، وبالطبع هذا الهراء مردود عليه وبكل سهولة. فالعدو الصهيوني لن يذكر خسائره وهذه عادته لأن ذكر الخسائر يستدعي الردّ والعدو الصهيوني غير قادر على الردّ، ويكفي أن التحرك الإيراني أوقف الحياة تماماً ليس في الأراضي المحتلة وحدها، بل في المنطقة بكاملها، بل وأجبر الرد الإيراني العالم أجمع على كتم أنفاسه حتى انتهاء العملية.
وبالطبع اضطر العدو الصهيوني ولأول مرة منذ بدء عدوانه على غزة على وقف عملياته العسكرية في القطاع. ولن نطيل في الحديث عن المكاسب التي حققتها إيران من وراء عملية الوعد الحق لكن يكفي أن نقول إنها أثبتت قدرة إيران على توجيه ضربة مباشرة للعدو الصهيوني من داخل أراضيها التي تبعد 1200 كيلو متر عن الأراضي الفلسطينية المحتلة، ستكون حاسمة ليس فقط في معركة غزة بل في رسم خرائط جديدة للاشتباك مع العدو الصهيوني، والسير قدماً تجاه تشكل الخريطة الدولية متعددة الأقطاب. وبالطبع هذا يحدث في الوقت الذي عجز العرب عن أي فعل مباشر أو غير مباشر لوقف العدوان الصهيوني على غزة. اللهم بلغت اللهم فاشهد…