صبر وردع وحسم: قوة القدس نحن اليوم التالي
} خضر رسلان
بعد ما يقارب الأسبوعين من الاعتداء الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق، شنّ الحرس الثوري الإيراني عملية «الوعد الصادق» بنداء «يا رسول الله» هجوماً متعدد الغايات والرسائل بالنار طالت إضافة الى عمق الكيان الإسرائيلي حلفاءه الغربيين إضافة الى الإقليميين، ونجحت الجمهورية الإسلامية الايرانية في توجيه صفعة للكيان الصهيوني وتحقيق الأهداف التي تمّ تحديدها وعلى رأسها ضرب المواقع التي كانت منطلقاً لاستهداف قنصليتها في سورية».
صحيح أنّ الهجوم الإيراني لم تُستخدم فيه أحدث الصناعات العسكرية على شاكلة الصواريخ الحديثة ومنها الفرط صوتية والتي توصف بأنها «مذهلة وفائقة التأثير»، إلا انّ صدى العملية التي وصفها الإيرانيون بأنها محدودة النطاق وتداعياتها التي تمّ الإعلان من خلالها الانتقال من حالة الصبر الاستراتيجي الى إشهار قوة الردع الإيراني قد تمّ تنفيذها من خلال خطط عسكرية ذكية رسمت معادلات تجاوزت في مدياتها الفرط صوتية الى مكامن ومحدّدات من المرجح لها ان تفرز وقائع جديدة في إطار صراع النفوذ والمصالح على مستوى الإقليم برمته.
مراكز الدراسات الأميركية التي شاهدت الاندفاعة الإيرانية غير المسبوقة وخطواتها المدروسة استخلصت من هذه الحركة عبَراً ومسارات سترمي بثقلها بلا شك على أصحاب القرار في البيت الأبيض سيان أكان سيده ديمقراطياً ام جمهورياً، وأبرز الخلاصات كان التالي:
1 ـ انتهاء ما كان يسري سابقاً من الرهان على الدور الإسرائيلي الذي كان مناطاً به كشرطي يحمل العصا الغليظة يؤدّب من حوله وقد بدأت شذرات هذا التحوّل من تاريخ اندحارهم عن لبنان عام 2000 ومن ثم هزيمتهم في عدوان 2006 الى الإنجازات المتعددة التي حققتها المقاومة الفلسطينية وصولاً الى طوفان الأقصى الذي أظهر حقيقة العجز الإسرائيلي وعدم قدرته على حسم معركة أمام شعب محاصر بل حاجته الى الحماية الخارجية لكيانه وقد بدت جلياً حينما استعان وطلب حماية حلفائه الغربيين وبعض الأدوات الإقليمية لصدّ الصواريخ الإيرانية.
2 ـ تلكؤ وخوف العديد من الدول المحاذية والقريبة جغرافياً من إيران عن تقديم المساعدة والعون ولو ظاهرياً لدولة الكيان الإسرائيلي سواء عبر تصدّيها للمُسيّرات الإيرانية او تقديمها تسهيلات للطائرات الإسرائيلية، وهذا ما قرأته هذه المراكز بأنه يعكس حالة الرهبة والخوف لدى هذه الدول من القدرة المتنامية والحاسمة للجمهورية الإسلامية الايرانية.
3 ـ القدرة الإيرانية على التحكم في المسارات البحرية التي تعتبر شرياناً حيوياً للدورة الاقتصادية العالمية سواء عبر أنصار الله في باب المندب او حتى في مضيق هرمز والتي بادرت إيران الى توجيه رسالة مشفرة الى من يعنيهم الأمر حينما سيطر الحرس الثوري على سفينة «أم أس سي أرييس» التابعة للكيان الإسرائيلي قرب مضيق هرمز، وذلك في ما يبدو رسالة استباقية صريحة لمن يعنيهم الأمر بأنّ إيران في سبيل الحفاظ على مصالحها والدفاع عن قوتها وعزتها لن تترك وسيلة للسير بها ومنها التحكم في المضائق ومنافذ البحار .
صحيح أنّ العملية الإيرانية فرضت معادلة ردع جديدة مع الكيان الصهيوني إلا انه من المرجح لها ان ترسم خطوطاً مختلفة على مستوى الإقليم وعنوانها الأبرز محددات العلاقة او خطوط الصراع بين إيران وأميركا، أميركا هذه التي تبحث دائماً عن تعزيز ثرواتها وإبرام صفقات السلاح والتحكم في أسواق النفط والتجارة العالمية هل يمكن لها السير بعيداً وفق خيارات نتنياهو التائه بين غزة ورفح.
لا شك انّ الجانب الأميركي بعد قراءته لما كشف عنه اللواء حسين سلامي قائد الحرس الثوري الإيراني في جمهورية إيران الإسلامية عن عملية (الوعد الصادق) الذي قال فيها على الرغم من انّ هذه المعركة المحدودة وغير المعروفة بالنسبة لنا والتي تمّ زرع أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي للعدو بكثرة في الكيان الصهيوني فضلاً عن تدعيم الولايات المتحدة الأميركية لها بدفاع عميق ومتعدد الطبقات، من سماء العراق والأردن وأجزاء من سورية إلى أجواء الأراضي المحتلة حيث كان المرور عبر هذا النظام الدفاعي المعقد والمتقدّم مهمة صعبة للغاية. استطعنا وفق اللواء سلامي إطلاق عشرات الطائرات بدون طيار وصواريخ كروز والصواريخ الباليستية في فترات زمنية مناسبة، حيث تمكنا خلالها من تدمير الطبقات العميقة للدفاع الجوي الإسرائيلي وبالتالي جعل تحالف الدفاع الجوي المكون من الولايات المتحدة والنظام الإسرائيلي والفرنسي غير فعّال. وهو ما تتوقف عنده مراكز القرار في الولايات المتحدة الأميركية وخشيتها من القدرات الإيرانية لا سيما منها الصاروخية وهو أمر لا شك من المرجح له ان يعيد حسابات الإدارة الأميركية التي تخشى من أيّ تصرف صهيوني أرعن يغرق الشرق الأوسط في صراعات دامية يبدي فيها الأميركي قلقه مما قد ينبئه فيه اليوم التالي لنهاية الحرب، بينما يبدو فيها الإيرانيون ومحور المقاومة اكثر استعداداً وثقة بل اشتياقاً لمنازلة لطالما عمل لها رجال الوعد الصادق وطوفان الأحرار ولا يبدو ذلك اليوم بعيداً…