آخر الكلام
أنقذوا فلسطين
من معتقل غزّة – أريحا!*
الياس عشّي
كيف يمكنك أن تتخلّى، هكذا وفجأة، عن أجمل ما تحمله الذاكرة من سنوات النضال؟
كيف يمكنك أن تدفن، هكذا وفجأة، كلَّ الأحلام، وكلَّ الحجارة، وكلّ فلسطين، وكلَّ العيون، وكلَّ السواعد، في مِساحةٍ جغرافيّةٍ معتقلة بين غزّةَ وأريحا؟
بل كيف يمكن أن تفسّر كلَّ ما كتبناه، وما قلناه، وما قرأناه، وما سمعناه على مدى أربعين عاماً؟
***
يمكنك أن تفهم كيف الأحلامُ تنمو، وتكبر، ويصير لها ساعدان،
أمّا أن يصغُرَ الحلمُ…
أن يموت الحلم…
أن تعيشَ بدون حلم…
أن يصادرَ الكبار أحلامَك ويذبحوك على قارعة الطريق
فهذا لا يمكن أن تفهمه أبداً!
***
تعود إلى الوراء…
ليس إلى الوراء السحيق، بل إلى عدّة عقود.
تتذكّر، محطّاتٍ سيّئةً في تاريخنا المعاصر:
معاهدة سايكس ـ پيكو.
وعد بلفور.
حرب 1948.
هزيمة 1967.
اجتياح «إسرائيل» للبنان 1982.
مجزرة صبرا وشاتيلا.
معاهدة 17 أيّار.
إتفاق غزّة ـ أريحا.
***
لكنك تتذكر تلك اللحظات المشرقة:
يوسف العظمة بطل معركة ميسلون التمّوزيّة.
سعيد فخر الدين.
حرب 1973.
المقاومة الوطنية اللبنانية.
سقوط إتفاقية 17 أيّار.
إنسحاب «إسرائيل» من معظم الأراضي اللبنانية.
أطفال الحجارة.
***
وبين هذا وذاك أبقى ذلك الإنسان المتعلّق بأرضه، المدافعَ عن مبادئه، اللاهثَ وراء الوطن، الساكن في ذاكرة الناس والأشياء.
وبين هذا وذاك أكبر، فيصبح لسنوات العمر طعم، ويصبح للحبر الذي اغتسلتْ كلماتي به، نكهةُ البراءة، والبطولة، والرسالة.
وبين هذا وذاك تغامر وتقاتل، وقد تموت، ولكنّك تبقى في ذاكرة التراب، والمطر، والعشب، وأشجار البرتقال، وكروم الزيتون، وكنيسة القيامة، ومسجد الأقصى.
***
الآن… وقد انتهى كلُّ شيء، وصارت فلسطين معتقلةً في غزّةَ وأريحا…
الآن… يجب أن نبدأ،
الآن… بدأ النضال.
*من كتاب «وطن للبيع… فمن يشتري؟» 11/9/1993