لماذا يتردد نتنياهو بقرار الرد؟
لم نعد نسمع أصوات الساخرين من الرد الإيراني، بانتظار أن يحسم بنيامين نتنياهو أمره، وهو يواصل تقليب الخيارات بطناً على ظهر حتى يستقر على أحدها. فكيف يستقيم الاستهزاء بالرد الإيراني اذا خرج نتنياهو غداً يقول ان هذا الرد أصاب مفهوم الأمن القومي لكيان الاحتلال وشكّل إذلالاً لا يمكن السكوت عليه، وقرر بناء على ذلك خوض غمار الرد؟ وماذا سيقولون بعد السخرية من الرد الإيراني إذا خرج نتنياهو ليقول إنه فضل الحفاظ على العلاقة المتينة مع الحلف الذي كان شريكاً بحماية الكيان بقيادة أميركية، والنزول عند رغبة هذا الحلف بعدم الرد على إيران تفادياً لمواجهة قد تخرج عن السيطرة؟
الرد الإيرانيّ حدث مفصليّ في تاريخ المنطقة شاء من شاء وأبى من أبى، وما بعده غير ما قبله، وهو يلقي بظلاله على كل شيء، خصوصاً أنه تعبير عن قرار إيراني استراتيجيّ عبرت عنه المواقف الإيرانيّة اللاحقة من فرضية الرد الإسرائيلي، بقول إيران انها سترد بقوة على أي رد إسرائيلي مهما كان صغيراً وبسيطاً وأنها سوف تعاقب أميركا اذا شاركت في الرد، وتحاسب أي دولة في المنطقة تقدّم تسهيلات لعمل إسرائيلي ضد إيران. ونحن أمام إيران العظمى، الدولة المقتدرة التي بنت تفوّقاً تكنولوجياً بعقول إيرانية ترجمته الصواريخ والطائرات المسيّرة، كما ترجمه الملف النووي الإيراني.
كان نتنياهو يدرك خطر التحدي الإيراني، وهو كسائر الصهاينة يعلم أن إيران وضعت نصب عينيها مواجهة الكيان. وكان يأمل بلحظة تتفرّغ فيها أميركا من الحروب الأخرى ليشارك معها بحرب استباقيّة على إيران، قبل أن يخرج هذا العملاق من القمقم وقد أتم بناء قدراته اللازمة لخوض حرب، لكن الزمن قد فات. وها هي إيران بكل اقتدار حاضرة، وأميركا تسلم بالعجز عن خوض حرب، وتدعو نتنياهو إلى عدم المغامرة.
نتنياهو وكل أعضاء مجلس حربه المختلفين على كل شيء اتفقوا على أن الردّ وجوديّ بالنسبة للكيان، لكنهم يجمعون على أن الرد فوق طاقة الكيان وحده، ويجمعون على أن المخاطرة قد تشعل حرباً سيكون الكيان خلالها أمام اختبار وجوديّ أشدّ قسوة، وأمام نصائح الذين لا حرب بدونهم، لتفادي الحرب، يتجمّد القرار الإسرائيلي عند عنق الزجاجة، والمعادلة التي كانت بحثاً عن رابح رابح من زاوية النظر الإسرائيلية، إن قاتلت تربح وإن لم تقاتل تربح، وعليها اختيار الربح الأعلى، صارت خاسر خاسر، حيث إن ردّت “إسرائيل” تخسر وإن لم ترد تخسر، وعليها أن تختار الخسارة الأقل، والاختيار بين ربحين لا يقارن بالاختيار بين خسارتين.
التعليق السياسي