«ما وراء الردّ» حرب شاملة بالمباشر أم تكيُّف أميركي استثنائي مع خطوط حمر جديدة؟
} نمر أبي ديب
ما بين سياســات التسخــيف التي بنى عليها البعض قراءته السياسية، واستراتيجيات الردّ الإيراني، على «إسرائيل» انتظام عسكري استــثنائي، ضمن استــنفار دولي تقدّمتــه الولايات المتحدة الأميركية، بمشـاركة كلّ من بريطانيا وفرنــسا، يُضاف إليهــما الدول الفاعلة والمنضوية سياسياً وعسكرياً وحتى أمنياً تحــت راية «التحالف الدولي» الذي أبدى مع دول عربية التزاماً عسكرياً بأمن «إسرائيل» وأيضاً بسياستها العدوانية، التي تخطت في دمويتها وإجرامها خطوطاً حمراء وجودية على الساحة الاقليمية.
ما تقدَّم، ليس بجديد أو مستغرب، على مستوى الموقف السياسي والأداء العسكري للولايات المتحدة الأميركية، التي جدَّدت في زمن الردّ الإيراني التزامها الكامل بكيان الاحتلال الإسرائيلي وبمشروعه الإقليمي ودوره العسكري غير القابل للحياة، وحتى للاستمرارية، بمعزل عن ثنائية الحماية الدولية، والحاضنة الوجودية، التي قدّمتها وما زالت الولايات المتحدة الأميركية.
وهذا كله ساهم في كشف وإزاحة النقاب عن جملة حقائق سياسية، وأخرى عسكرية، رسمت في متدرجاتها الميدانية «خطوط فصل استراتيجية»، قابلتها اصطفافات سياسية، والتزامات عسكرية شرق أوسطية، أظهرت في فترة زمنية لم تتجاوز الساعات الست، طبيعة الانتظام العسكري الجديد، كما النواة المركزية المؤسسة، لـ «جبهة الدفاع الدولي عن اسرائيل التي ترأسها اليوم الولايات المتحدة الأميركية»، وهنا تجدر الإشارة إلى متدرجات الحقائق العسكرية التي أظهرتها الجولة الأولى للمواجهة المباشرة بين أميركا جو بايدن، وطهران التي نجحت بدورها في تسجيل خرق استراتيجي، داخل منظومة الحضور الأميركي، البري والبحري، المنتشر في المنطقة،
في سياقٍ متَّصل قرأت الولايات المتحدة الأميركية كما «إسرائيل» البعد الحقيقي لمسار الردّ الذي قام على حقيقة ميدانية تضمّنت بالمفهوم العسكري والاستراتيجي قدرة فصل إيرانية، ما بين الردّ التدميري، الذي شمل نقطتين أساسيتين و»خرق الردّ»، الذي تضمّن نقاطاً عديدة يدرك الأميركي كما «الإسرائيلي»، المعنى الحقيقي لقدرة إسقاط طهران صواريخ الرسائل في أماكن قد يشكِّل استهدافها لاحقاً بصواريخ بالستية متقدّمة في الدقة، متطوّرة في النوعية، ذات قدرات تدميرية هائلة تفوق المستخدم من «الصواريخ المتفجرة بأضعاف»، ما يشكل على مستوى الموقف المزدوج للولايات المتحدة الأميركية و»إسرائيل» مأزق عسكري حقيقي قائم على حقيقة ميدانية مفادها، أنّ خرق إيران منظومة الدفاع الأميركية داخل فلسطين المحتلة، يمنح طهران أو من يمتلك منظومات صاروخية إيرانية، و»مُسيَّرات إلهاء»، من اختراق القواعد الأميركي ومجمل ساحات ومساحات الانتشار الأميركي والفرنسي والبريطاني في دول المنطقة.
انطلاقاً مما تقدَّم، دخلت المنطقة بمكوناتها الاقليمية وعناصرها الثابتة كما المتحركة، مرحلة جديدة من المواجهات العسكرية القائمة على موازين قوى مختلفة، إقليمية ودولية، فرضت على مسرح المواجهة المستمرة قواعد اشتباك جديدة، ملزمة في متدرجاتها الميدانية للولايات المتحدة الأميركية في الدرجة الأولى، وأيضاً لكيان الاحتلال «الإسرائيلي» الذي دخل مع بنيامين نتنياهو مرحلة «الردّ بحكمة» على الهجوم الإيراني حسب تعبيره، وهي «الحكمة عينها» التي حيّدت من خلالها أميركا نفسها عن «الردّ الإسرائيلي»! في حين أبقت على حمايتها المطلقة لكيان الاحتلال…
وهنا تجدر الإضاءة على جملة استثناءات ميدانية من بينها: التسليم الأميركي بعدم تخطي قرار الدفاع العسكري عن الكيان «الإسرائيلي» خطوط حمر إقليمية، إيرانية وأيضاً روسية، في مرحلة أكد فيها الطرفان الإيراني كما الأميركي، عدم الرغبة في الذهاب إلى الحرب المفتوحة،
ثانياً: التقيّد الأميركي بسقف تصعيدي إيراني لن يكون القادم الميداني إنْ وقع وتمادت «إسرائيل» في عدوانها على إيران أقلّ وطأة، أو حتى مشابه لما سبق، في الكمّ، والنقاط الاستراتيجية، وأيضاً في القدرة التدميرية.
ثالثاً: يجدر التساؤل عما بعد الردّ والردّ المضادّ إن وقع، عن الدور الأميركي/ الصهيوني في المنطقة، في غزة تحديداً وأيضاً على الجبهة الشمالية لـ «إسرائيل».
كما يجدر التساؤل عن المكاسب السياسية التي تنتظر «جبهة الدفاع العربي عن إسرائيل» عن رهاناتها السياسة وكيفية ترجمتها على الساحة العربية في ظلّ المتغيّرات الإقليمية، وموازين القوى الجديدة، التي فرضتها قواعد الاشتباك الجديدة، وجملة المسلمات الأميركية في هذه المرحلة.
بعيداً عن التكلفة المالية التي تطلبها احتواء الردّ، (مليار دولار) حسب القراءة الاسرائيلية، وتوفر أمكانيات الردّ، كما الردّ المضاد من عدمه، أصابت القدرة الإيرانية على المناورة العسكرية والخرق، أساس المشروع الإسرائيلي في المنطقة، إصابات بالغة ومباشرة، أنهت بشكل كامل معادلة التفرّد العسكري، في أمن واستقرار المنطقة، كما ساهمت في إحداث فجوات ميدانية، الخروج منها اليوم يتطلب هندسات عسكرية أميركية جديدة، إقرارها ليس بالأمر السهل، وبلورتها ميدانياً تنهي عملياً الدور الفعلي والفاعل لكيان الاحتلال «الإسرائيلي».
ما وراء الردّ، خطوط حمر إيرانية، تخطيها لم يعد بالأمر السهل، وحرب كبرى مباشرة لم يحن أوانها الميداني بعد، وبين هذا وتلك قواعد اشتباك جديدة، وخطوط حمر بلغتها المنطقة باكراً…