غارودي وليلة الرد.. التحلل الذاتي وصراخ المحبطين
حسام حمدان ـ سورية
الفيلسوف الفرنسي روجيه جارودي في كتابه «الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل» قال: «إنّ الدعم الغربي لإسرائيل لتخويف العرب أعطى انطباعاً أسطورياً عنها بأنها لا تُقهر.. لكن في الواقع هي ليست كذلك، فمجرد مواجهة بسيطة وشجاعة يظهر هذا الزيف»…
إذا كان اللوبي اليهودي في أوروبا وفي الولايات المتحدة، وبعض التوابع في أماكن مختلفة من العالم، قد استطاع أن يجعل قوة «إسرائيل» حقيقة مسلمة لا تقبَل الجدل ولا المناقشة، كما استطاع أن يجعل خرافاتها التي لا تصمد أمام أيّ منطق، حقائق لا تقبل الجدل والنقاش، وجعلها أقوى من الأديان وأقوى من الدول، حيث أنّ الإلحاد وسبّ الدين والعقائد لا يُعتبر جريمة، والكفر بالعلم لا يُعتبَر جريمة، وسبّ رئيس الجمهورية الفرنسية مثلاً لا يُعتبَر جريمة.
لا شيء خاص بالرأي أو إبداء الرأي يُعتبَر جريمة، الرأي الوحيد الذي يُعتبر جريمة بشعة هو أن يتمّ التصدي لأحلام الصهيونية العالمية وخرافاتها، أو انتقاد إجرام «الدولة الإسرائيلية».
عندها يُعتبر ذلك «عداء للسامية» وهو بمثابة جريمة يستحق المواطن عليها المحاكمة، وتَصدُر ضده الأحكام، كما حصل مع غارودي حين مُنع كتابه «الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل» وحوكم من محكمة فرنسية في عام 1998م وصدر ضده حكم بالسجن لمدة سنة.
إذا كان اللوبي اليهودي قد استطاع أن يجعل قوة «إسرائيل» حقيقة مسلمة لا تقبَل الجدل ولا المناقشة، واستطاع أن يغلق الأفواه، ومَنَع المواطن الأوروبي والاميركي من مجرد البوح برأيه في أيّ موضوع يتعلق بالصهيونية، فهو يجد نفسه اليوم في موقف لا يُحسد عليه، ويجد المسؤولون الإسرائيليون أنفسهم في موقف لا يُحسدون عليه، مع تعالي الصوت من قبل المستوطن الإسرائيلي نفسه، والذي استفاق من الوهم! وبدأ بالتساؤل :
« إذا كان العشرات أو المئات من المقاتلين المدرّبين وأصحاب العقيدة قد استطاعوا اختراق هيبة الجيش «الذي لا يُقهر» واستطاعوا في ساعات نسف أسطورته واستطاعوا بعد ذلك على مدار ستة أشهر إذاقته الويل وأشعروه بالعجز! فكيف يكون الحال فيما لو فتح الجحيم واشتعلت كلّ الجبهات في وقت واحد؟!»
ثم أتت الطامة الكبرى على جيش الاحتلال وعلى الصهاينة، حين قرّرت إيران الردّ بشكل مباشر على الاعتداء على قنصليتها في دمشق.
أُطلقت مئات الصواريخ والمُسيّرات من داخل ايران، وهي على بعد أكثر من ألف كيلومتر، وتمّ الإعلان عن بدء الردّ قبل ساعات من وصول هذه المُسيّرات إلى داخل الأراضي المحتلة…
استدعى ذلك مشاركة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ومجموعة السبع الكبار ـ وبعض التوابع من العرب المحيطين بالكيان ـ في الدفاع عن «إسرائيل» وفي حمايتها وفي إنقاذها من هذا الوضع البائس الذي هدّد الأمن، وسيهدّد مستقبلاً وجود الكيان كما سنُبيّن لاحقاً.
إنّ الخوف وعدم اليقين الذي وجد (الإسرائيلي) نفسه تحت تأثيره دفعه للصراخ في وجه قادته :
«إذا كنا نعرف اليوم مكان الردّ وزمان الردّ، ورغم تدخل عدد من الدول العظمى للتصدّي واعتراضها لعدد كبير من الصواريخ والمُسيّرات قبل وصولها للمواقع العسكرية، تعرّضنا للكثير من الدمار، والكثير الكثير من الهلع والخوف…
دعونا نتصوّر تغيير مكان هذا الردّ، وتخفيض مسافة إطلاق الصواريخ والمُسيّرات إلى 100 كيلومتر مثلاً أو أقلّ…
ودعونا نتخيّل وجود عامل المباغتة وعدم الإعلام المسبق…
ودعونا نتخيّل زيادة عدد الصواريخ والمُسيّرات إلى أضعاف العدد الحالي…
ودعونا نتخيّل عدم إمكانية تدخل أميركا وبريطانيا وفرنسا وبعض العرب للزمن القصير وقرب المكان…
ودعونا نتخيّل سقوط العشرات بل المئات من الصواريخ على أهداف منتقاة بعناية أو بشكل عشوائي…
ودعونا نتخيّل فتح كامل الجبهات…
ودعونا نتخيّل إضافة المقاتلين الراجلين في المرات المقبلة ونتخيّل دخولهم إلى داخل الكيان»؟
هذه الأسئلة وغيرها لم يعد بالإمكان محوها من أذهان المستوطنين القادمين من كلّ بقاع الأرض للعيش في «نعيم القوة الإسرائيلية التي لا تُقهر»، ولم تعد المحاكمات وكمّ الأفواه ممكنة لأنّ الصراخ اليوم ينبع من الداخل.
ليلة الردّ هي ليلة غير مسبوقة بتاريخ كيان الاحتلال الإسرائيلي، وهو مشهد أقرب للدراما الحقيقية لم يسبق أن عاشته أجيال من الإسرائيليين…
في ظل حالة الطوارئ المستمرة منذ شهور، والتي لا يُتَوقَع لها أن تتوقف، بل يتوقع أن تشتدّ وتزيد تأثيراتها..
وفي ظلّ الخوف من التجنيد.. ومن فقد الحياة من أجل الأوهام التي كانوا يعرفونها ويغضون الطرف عنها لأنهم مستفيدون..
وفي ظلّ هذا المشهد المعقد الذي يخلو من بصيص أمل حول المستقبل…
يجد الإسرائيلي الحلّ بالهروب، وتجد الحكومة الصهيونية أن لا حلّ!
فالهروب إلى الأمام وشنّ حروب جديدة تسرّع الغروب.. والانكفاء وقبول الأمر الواقع سيدفع الى التحلل الذاتي لا ريب…
وفي ظلّ هذا الانتصار المدوّي لفكر المقاومة والصمود الذي أثبت أكثر من أيّ وقت مضى مشروعيته وحقق هذه النتائج المدوية…
تتعالى أصوات الموتورين والحاقدين المتألمين لخسارة «إسرائيل» حليفتهم الأزلية وأحد الأعمدة التي قام عليها وجودهم… ويستمرون في الموسيقى النشاز على أمل أن يحرف نشازهم الأنظار عن الحدث وعن الحقيقة التي لن تغيّبها بعد اليوم محاكمة ولا قضاة ولا محلفون مأجورون..
اللعبة تغيّرت.. والحدث اليوم يصنعه المقاومون…
النصر آتٍ مهما علا صوت المحبَطين والعملاء الفاشلين…!