أولى

المعركة الإسرائيلية على الضفة الغربية

في الظاهر تبدو المعركة الإسرائيلية على غزة، لكنها تبدو واقعياَ معركة ميؤوساً من إنهائها بانتصار عسكري أو سياسي، فالقادة العسكريون في جيش الاحتلال يدركون بالوقائع أن الحديث عن معركة رفح بصفتها خاتمة سعيدة لحربهم اليائسة مجرد بروباغندا إعلاميّة لا أساس لها في الواقع، وأن المعارك التي لا تزال تدور في شمال قطاع غزة تقول بأن دخول جيش الاحتلال الى أي منطقة في غزة لن يحقق السيطرة لجيش الاحتلال، بل سوف يغير شكل القتال فقط.
واقعياً يخوض جيش الاحتلال ومعه جهاز الشاباك معركة أخرى يحاول كسبها في ظلال النيران المشتعلة في غزة والدخان المتصاعد منها، هي معركة تصفية المقاومة في الضفة الغربية عبر عمليات الاقتحام والاغتيال والاعتقال، وتنشيط قطعان المستوطنين وتوحّشها، والمعادلة هي أن الضفة باقية ضمن جغرافيا يديرها الاحتلال بعد نهاية حرب غزة، بينما غزة مهما طال الوقت أو قصُر سوف تكون خارج إدارة الاحتلال. فإذا وفّرت حرب غزة الفرصة لحسم معركة الضفة فذلك نصر يمكن اعتباره تعويضاً جيداً عن بعض خسائر الفشل في غزة.
يدرك أبناء الضفة الغربية وتشكيلات المقاومة فيها هذه الحقيقة ويعرفون خطورة التحدّي، ولذلك هم يخوضون المعركة بأعلى درجات الانتباه لقطع الطريق على جيش الاحتلال ومخابراته ومنعهم من تحقيق أيّ مكاسب استراتيجية. وبعد ستة شهور وخمسمئة شهيد وخمسة آلاف معتقل، لا تزال الضفة الغربية تقاتل ببسالة وتوقع الخسائر بجيش الاحتلال ومخابراته، وتمنعهم من دخول مناطق محرّمة عليهم في جنين ونابلس، وتنضم إلى جنين ونابلس مناطق جديدة في طولكرم ومخيم النور وسواهما، وتتشكل حالة مواجهة بين الأهالي تتصدّى لهجمات المستوطنين بكفاءة.
نقطة الضعف التي يشكو منها المقاومون بألم هي دور أجهزة السلطة التي لا تزال تقدّم خدمات لصالح الاحتلال، بل تمادت في فعل ذلك بعد الشهور الثلاثة الأولى من حرب غزة، بعدما نجح الأميركي بتقديم جزرة إدارة غزة بالتنسيق مع الاحتلال لأجهزة السلطة، ورغم صفعة الفيتو الأميركي على منح دولة فلسطين صفة العضوية الكاملة في الأمم المتحدة يستمر التنسيق بين أجهزة السلطة ومخابرات الاحتلال.
آن الأوان لوضع النقاط على الحروف في تحديد موقع السلطة، وآن الأوان لحركة فتح كي تصحو من سكرة امتيازات السلطة وتعود إلى جذورها كحركة مقاومة. فهذه فلسطين تتضاءل جغرافيتها في ظل الإنجازات الكاذبة لاتفاقيات أوسلو، بفعل الاستيطان. وها هو التهويد يهدّد القدس وهويتها وحرمة مقدّساتها.

التعليق السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى