من الصبر إلى الدور… وكله استراتيجي
أحمد بهجة
كم كان صحيحاً القول إنّ مرحلة ما بعد عملية «طوفان الأقصى» في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 لن تكون كما قبلها، وكم هو صحيح القول اليوم إنّ مرحلة ما بعد عملية «الوعد الصادق» في 14 نيسان 2024 لن تكون كما قبلها على الإطلاق.
كنا في مرحلة الصبر الاستراتيجي، ولم يفهم كثيرون ماذا يعني الصبر الاستراتيجي، أو ماذا تعني مقولة «الاحتفاظ بحق الردّ في المكان والزمان المناسبين»، إلى أن أتى الردّ الاستراتيجي على كيان العدو «الإسرائيلي» بعد عدوانه على القنصلية الإيرانية في دمشق واستشهاد قادة وضباط في الحرس الثوري الإيراني.
ولم يكن مخطئاً أبداً مَن قال إنّ الردّ الإيراني لم يكن فقط على استهداف القنصلية في دمشق، على أهمية أشخاص ومواقع الشهداء الذين ارتقوا في ذلك العدوان الشيطاني، إنما يأخذ الردّ الإيراني المنحى الاستراتيجي لأنه يمثل إعلاناً صريحاً وواضحاً بأنّ مرحلة الصبر الاستراتيجي قد انتهت لتبدأ مرحلة الردع الاستراتيجي بل الدور الاستراتيجي.
وهنا تجوز المقارنة بين ما قامت به إيران خلال تنفيذ الردّ، وبين ما فعله العدو «الإسرائيلي» الذي لم يجرؤ حتى على الإعلان أنه نفذ رداً على إيران، بل كلّ ما قيل عن هذا «الردّ» أتى في وسائل الإعلام الأميركية و»الإسرائيلية»، واختصره أحد غلاة الصهاينة المتطرفين إيتمار بن غفير بوصف العملية بـ «المسخرة»، فيما أكد وزير الخارجية الإيراني الدكتور حسين أمير عبد اللهيان في اليوم التالي «أنّ ما حدث الليلة الماضية لم يكن ضربة، لقد كانت أشبه بالألعاب التي يلعب بها أطفالنا»…
أما الردّ الإيراني فقد وُصف عن حقّ بأنه ردّ استراتيجي لأنه حمل أبعاداً ودلالات عديدة تؤكد هذا الوصف كما تؤكد الاقتدار الإيراني الذي سوف يكون له تأثيره بلا شكّ على مجمل الأوضاع سواء في منطقتنا أو حتى على المستوى الدولي…
1 ـ تمّ الإعلان عن الردّ قبل أيام من تنفيذه، وأُبلغت الدول المجاورة لإيران أو الدول التي ستعبُرها الصواريخ والمُسيّرات الإيرانية من أجل اتخاذ الإجراءات المناسبة حتى لا يحصل أيّ خطأ في ما خصّ حركة الطيران المدني.
لا شكّ أنّ هذه النقطة تعبّر عن أخلاقيات عالية حتى في زمن الحرب، وهو أمر غير موجود على الإطلاق في معسكر الأعداء الذين لا يتورّعون عن ارتكاب المجازر والفظاعات بحق الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين العزّل، وقد رأينا ولا نزال نرى، ويرى العالم بأسره، بأمّ العين، المدى الإجرامي الذي وصل إليه العدو «الإسرائيلي» وكلّ داعميه خلال الأشهر السبعة الماضية.
2 ـ الاقتدار الإيراني الكبير الذي تمّ التعبير عنه في الاستعراض الضخم الذي شاهده الجميع، إما مباشرة عبر الشاشات أو من على السطوح لمن استطاع إلى ذلك سبيلاً، حيث لم يحصل سابقاً أن «تكسدر» طائرات مُسيّرة وصواريخ مجنّحة وباليستية في سماء فلسطين، كلّ فلسطين…
صحيح أنّ العدو وداعميه تمكنوا من إسقاط معظم الصواريخ والمُسيّرات، لكن ما أراد الإيرانيون إيصاله أوصلوه إلى حيث يجب وضربت الصواريخ قاعدتين جويتين في النقب «نيفاتيم» و»رامون» إضافة إلى القاعدة الاستخبارية في الجولان، وهي المواقع التي استخدمها العدو لتنفيذ العدوان على القنصلية الإيرانية في دمشق.
3 ـ ما لم ينتبه له كثيرون أنّ جيش الاحتلال ومَعه داعموه من الدول العظمى والكبرى في العالم، لم يتمكّنوا من إسقاط مُسيّرة إيرانية واحدة سليمة، رغم كلّ التقنيات والتنولوجيا المتطورة التي يمتلكها هؤلاء… بينما رأينا سابقاً أنّ الإيرانيين تمكنوا من إسقاط مُسيّرات أميركية والحصول عليها سليمة وقاموا بدراسة كلّ تفاصيلها.
هذه نقطة اقتدار إضافية للجانب الإيراني، خاصة إذا لاحظنا أنّ كلّ المُسيّرات والصواريخ هي صناعة إيرانية مئة في المئة، وهنا لا يُخفى الجانب الاقتصادي في العملية، حيث سيكون لهذا النجاح الباهر مردوده الكبير في زيادة الطلب العالمي على المُسيّرات الإيرانية.
4 ـ أيضاً من جوانب الاقتدار ما قاله العديد من الخبراء إنّ المُسيّرات والصواريخ الإيرانية التي صالت وجالت في سماء فلسطين، وعرّجت إلى القدس فوق المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، وحلّقت فوق الكنيست الصهيوني وغيره، كانت مزوّدة بكاميرات حديثة ترسل ما تأخذه من صور بشكل فوري إلى مركز الإطلاق، بمعنى أنّ الإيرانيين صار لديهم مسحاً شاملاً لكلّ المناطق والمواقع التي عبَرت فوقها المُسيّرات والصواريخ.
في الخلاصة… دخلت المنطقة كلها في مرحلة جديدة ومُغايرة كلياً، حيث أدرك الجميع أنّ اليد العليا هي لمحور المقاومة وعلى رأسه الجمهورية الإسلامية ومعها حلفاؤها وأصدقاؤها على مستوى العالم، وفي المقابل تسجلّ الوقائع كلها هزيمة مدوية لكيان العدو وحلفائه الذين بالكاد وفروا الحماية المؤقتة لكيانهم الذي كان مدللاً قبل أن يدخل اليوم في مرحلة الأفول والزوال…