«إسرائيل» ونهاية عصر القوة…
} نمر أبي ديب
«إسرائيل» الكيان لا يمكن أن «تستمر» خارج دائرة القوة التي رسمها الغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة الأميركية، التي أكَّدت في الأمس القريب (الردّ الإيراني) على التزامها المطلق، (أيّ أميركا) بأمن «إسرائيل»، وتلك حقيقة قائمة يعرفها اليوم القاصي كما الداني، ومن هذه الحقيقة تتفرّع حقائق وجودية أخرى من بينها «الشراكة الأميركية الإسرائيلية»، التي لا يمكن من خلالها للولايات المتحدة الأميركية الفصل، ما بين «الالتزام المطلق بأمن «إسرائيل» العسكري وحروب الإبادة التي يخوضها اليوم الجيش الإسرائيلي في فلسطين المحتلة، يُضاف إليها عمليات «الردّ الإسرائيلي على الردّ»، وتلك معادلة سارية المفعول وضعت الولايات المتحدة الأميركية نفسها على مسارها الاستراتيجي غير القابل للعزل بمعزل عن «إدارة أميركية جديدة»، تعيد بـ «النظم القانونية» التي يخضع لها صدام المؤسسات الأميركية العسكرية منها والأمنية، صياغة استراتيجيتها الخارجية ضمن سلسلة أولويات لا يتصدّرها اليوم كما دائماً الكيان الإسرائيلي، وتلك نظرية غير قابلة للترجمة السياسية، ولا حتى للطرح «السياسي أو حتى الانتخابي»، داخل الولايات المتحدة الأميركية، نظراً لنوعية الأسماء الرئاسية المطروحة، أو المعمول بها اليوم داخل الحزبين «الجمهوري كما الديمقراطي»،
أيضاً نظراً لتاريخها السياسي المتواضع والمكشوف غير القادر على إحداث «تحوّلات سياسية» داخل الولايات المتحدة الأميركية، ولا حتى إحداث متغيّرات كبرى استراتيجية، في نظام الأولويات الخارجية تحديداً الأمنية/ العسكرية للولايات المتحدة الأميركية على مستوى المنطقة.
تضمّنت عملية الردّ «الإسرائيلي» على الردّ الإيراني، جملة مفارقات فاضحة، عكست في شكليتها العسكرية القابلة للاحتواء الميداني وأيضاً في بعدها التدميري غير القابل للترجمة الميدانية، هشاشة مواجهة غير مرحّب بها، في زمن التوقيت الخاطئ، الذي بدأه كيان الاحتلال، لحظة استهداف السفارة الإيرانية في سورية.
ما تقدّم أعاد ترتيب المشهد الإقليمي من جديد، ومعه «عسكرة المنطقة ومخارجها الأمنية»، على وزن حاجة «إسرائيل» الدائمة إلى حماية الولايات المتحدة الأميركية، مقابل تربع إيران على عرش الردع الإقليمي في مواجهة إسرائيل بمعزل عن أي مؤازرة عسكرية أو لوجستية من الحلفاء في زمن الأجسام «الإسرائيلية» الصغيرة وهشاشة الرد الذي طرح على مسرح المواجهة العسكرية المعلنة، ما بين طهران و»إسرائيل»، جملة عناوين استراتيجية من بينها: المدى الفعلي لسقف الحروب الإسرائيلية في هذه المرحلة، التصنيف الإقليمي الجديد، الذي أفقد «إسرائيل» ومن ورائها الولايات المتحدة الأميركية قدرة فرض أمر واقع عسكري، على مستوى دول الردع الاستراتيجي في مقدمتها الجمهورية الإسلامية في إيران،
السؤال: أين «إسرائيل» الأمس، وما القيمة الحقيقية لـ «إسرائيل» الجديدة التي تمتلك على مستوى المخزون الاستراتيجي «رؤوس نووية» لا تستطيع معها قصف طهران بصواريخ بالستية خالية حتى من الرؤوس المتفجرة، السؤال أين «إسرائيل» التي حاربت وانتصرت على جيوش عربية متحدة؟ أين معادلة «الجيش الذي لا يُقهر، والكيان الذي لا يخضع»؟ الأسئلة كثيرة والإجابة واحدة (عصر القوة التى فرضت من خلاله الولايات المتحدة الأميركية معادلات احتلال شرق أوسطية انتهى)، والمنطقة اليوم في زمن تحصين الساحات، وتفعيل أنظمة الردع المتطورة تمهيداً لمراحل مقبلة، لا يمكن عبورها بمعزل عن حروب كبرى يفقد من خلالها كيان الاحتلال الإسرائيلي الدور الفعلي والفاعل في عسكرة المنطقة.
بات واضحاً للجميع وفي مقدمتهم قوى الدعم الخارجي «العربي والدولي»، لكيان لاحتلال «الإسرائيلي»، سقف المواجهة الملزم لـ «إسرائيل»، التي رسمت من خلاله عملية الردّ، كما الردّ الإسرائيلي على الردّ، «خطوط فاصلة» في الأمن السياسي والعسكري، ما أضاف للانتظام العسكري الجديد تعريف ميداني لدول «درجة أولى وأخرى درجة ثانية، وأيضاً ثالثة ورابعة، ما يؤكد أنّ «معيار القوة» في هذه المرحلة لم يعد قائماً على معادلة من يملك تقنيات عسكرية، أو قدرات صاروخية وجوية أكثر، بل أصبحت في متناول الدول القادرة على استعمال ما تملك، الدول القائمة أساساتها على قواعد صخرية ثابتة، وليس على رمال احتلال متحركة.
تعيش الولايات المتحدة الأميركية اليوم مرحلة الإكراه في دعم كيان الاحتلال الإسرائيلي، وسبل بقاء الدولة المزعومة، حيث لا بدائل متاحة في هذه المرحلة، ولا حتى معابر وقائية، إذ يعتبر السقوط الحتمي لـ «الكيان» سقوط كامل للمشروع الأميركي في المنطقة، وهو على مسرح التكامل الدولي جزء لا يتجزأ من مشروع أميركا الكبير الذي بدأ في التآكل وفقدان التوازن مع الاجتياح الروسي لجورجيا، لحظة إطلاق صافرة البداية لانطلاق للنظام العالمي الجديد.
تدرك الولايات المتحدة جيداً أنّ ما كانت تنجزه «إسرائيل» على الساحة الشرق أوسطية نيابةً عن الولايات المتحدة الأميركية، تعجز أميركا نفسها اليوم عن إنجازه، في زمن «الردع الإيراني»، وتعاظم نقاط القوة في مجمل ساحات المنطقة، لدى فصائل وقوى المقاومة.
«زمن القوة» الذي بلغه كيان الاحتلال الإسرائيلي انتهى، وعندما تنتهي القوة، يسقط الكيان، وتلك حقيقة ثابتة بلغت مداها الوجودي على مسرح الزمن، مع نهاية كلّ محتلّ ومستعمر.