مقالات وآراء

حديث في السياسة والسجاد والفن مع انتهاء العيد…

‭}‬ حسام حمدان ـ دمشق
ضُربت قنصليتها بدمشق، طالبت مجلس الأمن بإدانة الضربة، رفَضْ…
لو تمّت هذه الإدانة فربما يتوجب على الكيان الصهيوني اعتذاراً، وربما دفع تعويضات…
إيران كانت تعرف جيداً أنّ ذلك لن يحدث، لسيطرة حلفاء الكيان على صدور القرارات من خلال الفيتو، لكنها أرادت إحراج المجلس وحلفاء «إسرائيل» في خطوة تمهيدية لتحميلهم المسؤولية في حال ردّت على الغارة بنفسها بعد ذلك، وهو ما حصل.
في إيران، مثل شعبي يقول: إنّ البيت الذي لا يوجد فيه سجادة، هو بيت بلا أثاث!
والحقيقة أنّ البيت السياسي لإيران مليء بالأثاث، وفي معمل الدبلوماسية الإيرانية الكثير الكثير من متقني صناعة «السجاجيد»…
كما في السجاد الإيراني حين يعمل عدد كبير من العمال، يشتغلون لساعات طويلة ولأيام وشهور وربما لسنوات حتى تخرج السجادة آية في الفن، والجمال والإتقان؟!
قطبة وراء قطبة، ثم خيط خلف خيط، ولون وراء لون، وإبرة تلو إبرة ووسط جبال من كرات الصوف والحرير، ووسط جبال من المشاكل التي يتمّ تفكيكها بهدوء…
في بيت السياسة الإيراني هناك برنامج دقيق يطبّق في كلّ نقطة ومفصل بما يلائم الظروف والمعطيات المتوفرة والمستجدات.
حين بدأت الأزمة الأخيرة بالاعتداء على القنصلية الإيرانية بدمشق بدأ فريق دبلوماسي وسياسي وعسكري وأمني متمرّس بالشغل على طريقة النساّج الإيراني، لحياكة أدق التفاصيل والتخطيط لرسم المشهد الجديد ولإنجاز الردّ…
الخطوة الأولى: الحصول على التفويض الشعبي والأدوات اللازمة لصنع السجادة (الردّ).
يجب أن نعرف أولاً: ماذا نريد وإلى أين نريد أن نصل؟
ما نريد أن نصل اليه:
أن نُفهم هذا العدو الصهيوني المتغطرس أنّ إيران قادرة على أن تدفّعه ثمناً غالياً على عدوانه، وأن يدرك أنّ هذا الردّ قد يتضاعف في المستقبل حتى يشكل خطراً وجودياً على كيان الاحتلال، وأن يدرك هذا العدو أنه لا بدّ إلى زوال في المستقبل القريب.
هل إيران تريد التصعيد؟
لا، هي لا تريد التصعيد الآن ولكنها جاهزة للتصعيد مستقبلاً الى الدرجة التي تحتاج اليها.
ونريد أن يفهم المجتمع والشعب الإيراني ما يحدث ويجب أن يكون طالباً للردّ او متعاطفاً على الأقلّ مع هذا الردّ.
هل إيران لا تثق بتعاطف شعبها؟
لا، هي تثق بذلك تماماً ولكن ألف باء النجاح في الأزمات هو في الحصول على أكبر تفويض، ولذلك يجب شرح الصورة لأكبر شريحة ممكنة…
ويجب توفير البنية المناسبة والأدوات المناسبة (القوات والخطط والأسلحة المناسبة للردّ).
هل هذه الخطط والأسلحة والقوات غير موجودة؟
لا، أبداً.. هي موجودة ويتمّ العمل عليها منذ عشرات السنين ولكن المطلوب انتقاء الأدوات والخطط المناسبة للحالة بغية الخروج (بسجادة تحفة) تبهر الناظرين، وهو ما تمّ العمل عليه فوراً…
الخطوة الثانية: رسم المشهد الدولي وعدم الانجرار وراء أخطاء قد تعطي للأعداء ذريعة لإفساد السجادة قبل إنجازها، أو إفسادها بعد عرضها في متحف الفن (التاريخ).
المشكلة: متوقع أن تعترض بعض دول الجوار لأنّ صواريخنا سوف تعبر أجواء هذه الدول، ولو قدّر أن اصطدمت هذه الصواريخ بطائرة مدنية أو عسكرية فقد يسقط ضحايا مدنيون أبرياء وهو ما لا نوافق عليه شرعياً وأخلاقياً أولاً، وقد نضطر لتحمّل تعويضات اقتصادية ثانياً، وأيضاً قد نتحمّل اضراراً سياسية…
الحلّ: نحن غير محتاجين في هذه المرحلة للمباغتة، ومن الممكن تحقيق الأهداف الموضوعة مع إبلاغ الدول المحيطة لتأخذ إجراءات احترازية…
يسأل مراقب غرّ في تكنولوجيا صناعة السجاد الإيراني:
هل كان على إيران إبلاغ العالم قبل الضربة التي انتشرت أخبارها قبل وصول الصواريخ بساعات، وكيف ستتمكن الصواريخ من إحداث التأثير المطلوب؟
ونجيب…
من جهة: ليس من أهداف الضربة قتل أكبر عدد من (المدنيين الإسرائيليين) ولكن لا بأس من إتاحة السبيل لهم لتجريب عيشة الملاجئ لساعات..
ومن جهة أخرى.. معرفة زمن إطلاق الصاروخ لا تعني معرفة أين سيسقط، وبالتالي فإنّ حالة الهلع التي تسبّب بها إطلاق الصواريخ، سيقابلها في المستقبل حالة هلع دائم من صواريخ أخرى غير معروف زمان ومكان إطلاقها، وهذا لون مهمّ سنطرّز به سجاجيدنا في المستقبل…
القرار أنّ الصواريخ ستحدث التدمير في المراكز العسكرية المختارة فقط، وحجم هذا التدمير سيتدحرج مع تشديد الضربات في المستقبل، ومع سلوك العدو المتغطرس الذي عاش عقدة التفوّق لعقود، وآن الأوان ليدخل عصر الواقعية السياسية بعد انتهاء هذا العيد…
الخطوة الثالثة: المحافظة على السجادة لامعة وبأبهى حلة ووضعها في متاحف التاريخ كأنموذج فني عظيم قادر على الإلهام، فالسجاد الإيراني لا يُصنع كله للفرش على الأرض بل أنّ بعضه يصنع ليكون تحفة وعبرة للناظرين.
قال محدثي بعد أن سمع تداعيات الردّ: أعانكم الله على هؤلاء الموتورين الذين يحاولون تلويث الردّ ويصفونه بالمسرحية!
فقلت: لا عليك صديقي لم يغب عن بال المصنّعين، أنّ أكبر صدمة لمن تعوّد الركوع بلا فضيلة، أن يرى سجادة تتلألأ لتمحي ظلام هوانه لعقود، وطبيعي للمتسخ أن يحاول تلويث أيّ شيء نظيف ليشبهه!
وقبل الانتهاء إليكم هذه القصة السجادية المعبّرة:
في العام 2001 طلب رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري لدى زيارته طهران من مساعديه الذهاب إلى البازار وشراء سجاد إيراني بمئات آلاف الدولارات.
تعجب مرافقو الحريري من الطلب الغريب، كما يروي أحد مستشاريه، فردّ عليه بإجابة غير متوقعة:
«شرائي هذه الكمية من السجاد من هنا هو أمر سيجعل من زيارتي هذه حاضرة في وجدان تجار البازار، الذين لن ينسوا يوماً وسيتناقلون أباً عن جدّ أن رئيس حكومة لبنان اشترى بهذه القيمة الكبيرة سجاداً إيرانياً!
ونختم برواية أخرى:
في كتابه «مصاحف وسيوف» روى رياض نجيب الريس أنّ سياسياً عربياً قال لسياسي عراقي في العام 1980 عند بدء الحرب العراقية ـ الإيرانية، وكان العراق يعيش حالة من نشوة النصر في بداية الحرب: «لا تفرحوا كثيراً للتقدّم الذي تحرزونه على جبهة القتال فالحرب مع إيران ستكون حرباً طويلة المدى، ولا يمكن تحقيق انتصار سريع فيها.
والسبب، لا علاقة له بالتوازن العسكري، بل لأنّ الشعب الإيراني صبور وطويل البال، وأكبر مثال على ذلك صناعة السجاد، تصوّر يا صديقي أنّ السجادة الواحدة التي يعمل فيها العشرات تأخذ حوالي 10 سنوات لينتهي العمل فيها، فالشعب الذي يصرف سنوات لينتج سجادة واحدة سيصبر سنوات أطول لينتصر في الحرب».
لا تستخفوا بصبر الإيرانيين وطول بالهم فتاريخهم مليء بالأحداث التي أنتجت انتصارات بقدر ما انتجت سجاد…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى