أولى

مئتا يوم… ماذا قدّمت إيران لغزة وماذا قدّم العرب؟

 

‭}‬ علي عوباني
مئتا يوم على العدوان الصهيوني على قطاع غزة.. ماذا قدّمت إيران لها وماذا قدّم العرب؟ سؤال فرضته وقاحة المزايدين، نطرحه هنا ليس من باب المباهاة أو «شوفة الحال»، بل من باب المحاججة وتبيان الحقائق ليس إلا.. فلو أنّ بائعي الشعارات الفارغة أعارونا سكوتهم وخجلو وتورّعوا عن تصدّر الشاشات… ولو أنّ أصحاب الأقلام المأجورة، لم ينفخوا الفقاعات الإعلامية، لربما ما كنا بحاجة لمثل هذا السؤال، ولو وفروا علينا الكثير من القيل والقال، لكن إصرار البعض على تحريف الوقائع، وتشويه الحقائق حتى في ظلّ الدلائل المتوفرة خدمة لمآرب سياسية وإعلامية يجعلنا نضع النقاط على الحروف، وحتماً ما همّنا هنا السجال.. همنا الوحيد وقوف الكلّ «كلن يعني كلن» مع غزة هاشم، ونصرتها كي لا يستفرد الذئب الأسود بدول العُرب واحدة تلو أخرى، فيأتي اليوم الذي نلعن فيه حظنا الذي صنعته أيدينا، ونردّد مقولتنا العربية الشهيرة «أُكلتُ يوم أُكل الثور الأبيض»، وساعتئذ لات ساعة مندم…
على طول الخط، لم تبخل إيران على غزة، وقفت جنبها على الدوام، كما وقفت الى جانب كلّ فلسطيني حر شريف، يحمل همّ التحرير بين ضلوعه، فقدّمت لها نموذج التحرّر وكسر قيود السجان، فكانت المقاومة وكانت التضحيات الجسام السبيل الوحيد لهذا الطريق… أما العرب، فمنذ حرب 1973، آخر حروبهم مع كيان الاحتلال، سقط بعضهم في فخ الانهزام والاستسلام، وبدّلوا العروبة بـ»العبرنة»، وقدّموا لغزة وفلسطين نموذج سلام الذلّ وتطبيع الهوان في وادي عربة، وكامب ديفيد، وأوسلو، ومدريد، وما زال القاموس العربي الأميركي يعجّ بمحطات مماثلة آخرها مشروع «صفقة القرن»، وغيرها من المشاريع التسووية الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية وجعلها في خبر كان.
قدّمت إيران لغزة، خارطة بناء القوة، فأمدّتها بكلّ الإمكانات اللازمة التي مكنتها بإرادة وعزيمة أبنائها من الإبداع والابتكار، على مستوى تكتيكات المقاومة، من شق الأنفاق الاستراتيجية، وتطوير أنواع السلاح والصواريخ المستخدمة، فكانت قذائف «ياسين 105» قاهرة «الميركافا» وكانت «قناصة الغول» صائدة ضباط وجنود العدو… وغيرها الكثير، وكانت الصواريخ التي تدك المستوطنات الجنوبية، وصولاً الى ما بعد ما بعد «تل أبيب».. أما العرب فقدّموا لغزة حيادهم وتنحّيهم، واختاروا أن يمسحوا الصدأ عن أسلحتهم في مخازنها على تزويد الغزاويين برصاصة واحدة تنخر عظام المحتلّ وتصدّ وحشيته عن أطفالهم…
قدّمت إيران صواريخ ومُسيّرات دعم عبرت فوق قبتي القدس والأقصى برمزيتيهما، ودكت حصون وقلاع العدو الجوية في «نيفاتيم» قرب النقب، وفي الجولان المحتلّ، أما العرب فانشغلوا بتبخيس إيران حقها وتوهين ردّها وتقديم الأطاريح حول «هزالة الردّ الايراني»، فذهبوا بكيدهم وغيّهم أبعد مما ذهب العدو نفسه، رغم علمهم أنّ إيران لا تريد جزاء ولا شكوراً… فهي لطالما قدّمت لفلسطين وأهلها ولم تتباه او تدّعي فضلاً…
قدّمت إيران كلّ ما أمكنها من مساعدات غذائية وطبية، ففتحت مطابخ ميدانية لتوزيع الوجبات اليومية لسدّ رمق أكثر من مئتي نازح من أهل غزة وتعزيز صمودهم بوجه الحصار والجوع وأعتى عدوان همجي وإبادة جماعية تعرّضوا لها على مرّ التاريخ، أما عرب التطبيع فرفعوا السواتر وأقفلوا المعابر ومنعوا شاحنات المساعدات من العبور وتركوا أطفال غزة تموت جوعاً… وكي لا ننسى ونبخس العرب حقهم… صحيح، قدّموا استعراضاً جوياً فولكلورياً (غمز من قناة من وصف جبهة اليمن بها يوماً) بعنوان «كيف ترمي علب البندورة في بحر غزة؟!» وأمّنوا في المقابل لـ «إسرائيل» طوق النجاه عبر جسر بري يمرّ بالإمارات والسعودية والأردن، عقب إغلاق اليمنيين للبحر الأحمر بوجه السفن «الاسرائيلية».
قدّمت إيران كلّ جهد دبلوماسي لوقف العدوان على غزة، فكانت صولات وجولات رئيس جمهوريتها السيد ابراهيم رئيسي وطواقمها الدبلوماسية وعلى رأسهم وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، فما وفرت لقاء ولا قمة ولا مؤتمراً دولياً إلا وأعلت صوت غزة فيه وأوصلت صرختهم وقوة عزيمتهم… أما العرب فمشكورون على زبد تصريحاتهم المتلوّنة، مشكورون لأنهم غابوا وغيّبوا مؤتمراتهم وقممهم العربية، ولكأن غزة هاشم ليست عربية أو في كوكب آخر.
باختصار… قدّمت إيران لغزة في مئتي يوم إحياء القضية الفلسطينية وإشراقتها عالمياً كقضية حق مشروع، وشكلت لها سنداً دائماً لتحرير فلسطين من النهر الى البحر، فيما العرب قدّموا ولا يزالون يقدّمون لها ولأبنائها خيار تصفية القضية الفلسطينية عبر الاستسلام والخنوع والتطبيع، والعيش الى الأبد تحت نير الاحتلال…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى