الرئاسة اللبنانية على نار هادئة رغم صفيح المنطقة الساخن
} نمر أبي ديب
لم تسفر الجولة الأخيرة لسفراء اللجنة الخماسية عن أيّ جديد يُذكر في الملف الرئاسي، كونها غير قادرة على اجتراح المعجزات السياسية في هذه المرحلة، ولا حتى تقديم الطروحات الرئاسية النافذة، القادرة على تحقيق خرق سياسي في زمن الفراغ، وفي هذا الظرف الدقيق على مستوى المنطقة، عناوين عديدة في مقدمها «العامل العسكري» الذي بلغت به ومن خلاله ملفات إقليمية، مرحلة البحث الجدي والحقيقي على أكثر من مستوى، ما يعيد خلط الكثير من الأوراق «السياسية كما الرئاسية»، ويسهم في إعادة صياغة العديد من المواقف الحساسة، الدقيقة منها، وحتى الاستراتيجية، بما يتناسب شكلاً ومضموناً مع جملة التحوّلات الوجودية، التي عصفت وما زالت بمحاور المنطقة ومجمل مفاصلها الأساسية.
الحديث عن متدرجات الخيار «الرئاسي الثالث» انعكاس واضح لعدم قدرة «الخماسية» على اجتراح الحلول، وفي الحدّ الأدنى التصورات الرئاسية القابلة للترجمة اللبنانية وفق موازين القوى الجديدة الفاعلة والمؤثرة اليوم على الساحة اللبنانية، إذ يُعتبر «تقيُّد الخماسية» بـ متدرجات الطرح القائم على معادلة تأمين سليمان فرنجية أصوات الفوز الرئاسي، أو الانسحاب لصالح «الخيار الثالث»، دعماً غير معلن من قبل الخماسية نفسها لـ «فخامة الفراغ»، الذي يتربع بمباركة إقليمية دولية على عرش الرئاسة اللبنانية،
بالتالي… فإنّ إعادة طرح او تقيُّد «الخماسية» بما تمثِّل على الساحة الإقليمية واللبنانية، من ثقل سياسي لأفكار وطروحات رئاسية سابقة، تسليم للخماسية بأمر واقع رئاسي غير قابل للحلحلة بمعزل عن تنامي ونضوج عناصر ومتمّمات التسوية، «إقليمية كانت أم لبنانية»، ما يؤكد انّ المنتظر الرئاسي في هذه المرحلة مؤجل حتى إشعارٍ آخر، مع استثناء وحيد، يتمثَّل في الإبقاء الدولي على شكل الاهتمام السياسي في مقاربة الملف الرئاسي.
من مفارقات «الخماسية» في هذه المرحلة، غياب «وحدة القرار» في الدرجة الأولى، كما القدرة السياسية على مواكبة المسار الرئاسي بـ «وحدة معايير خماسية»، انطلاقاً من أنّ المساعي الخارجية الهادفة إلى إبرام، أو إنتاج حلول سياسية، يجب أن تتقدّم بها جهات محايدة قادرة على تمرير الفواصل واكتساب «الثقة»، سواء على مستوى الملف الرئاسي أم على مستوى غيره من ملفات وعناوين خلافية مطروحة على الساحة اللبنانية، وهنا يفترض التوقف من حيث القدرة الإنتاجية للخماسية الدولية، ومتطلبات الإنجاز الرئاسي، على مساعي قوى ودول خارجية، لا تمتلك اليوم قدرة الالتقاء، او حتى الاجتماع، بكامل القوى المعنية بالملف الرئاسي، وتلك مفارقة قد يشكل تكرارها انعكاساً لموقف مسبق يُراد من خلاله ضمناً أخذ الحلّ الرئاسي في اتجاهات معيَّنة إذ يشكل هذا المعطى مدخلاً سياسياً يقضي إلى تلمّس بعض أشكال «المادة الخلافية»، التي عصفت وما زالت في ساحات ومرافق الخماسية.
في سياقٍ متَّصل قد يكون استثناء المشاركة في لقاءات «الخماسية»، نابعاً من رفض البعض للحالة السياسية، التي يمثلها المرشح الرئاسي سليمان فرنجية، ما يطرح في سياق البحث السياسي، علامات استفهام تتعلق بالدوافع وأيضاً «بفارق المقاربة السعودية للملف الرئاسي»، ما بين مواقف الأمس مرحلة انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية اللبنانية وبين موقف اليوم المتروك للتكهّنات السياسية وأيضاً للتحليل الافتراضي.
مما لا شك فيه أنّ العزف السياسي على وتر التناقضات الرئاسية داخل الساحة المسيحية تحديداً، دليل إضافي على عدم اكتمال الظروف المؤاتية إقليمياً، دولياً، وحتى لبنانياً، لعملية انتخاب رئيس للجمهورية، وجزء لا يتجزأ من سياسة «المراوغة الرئاسية» القائمة على مبدأ انتظار النتائج المترتبة على ملفات عديدة من بينها حرب غزة، ذات التأثير المباشر من خلال (الناخب العربي والناخب اليهودي) على الانتخابات الرئاسية الأميركية.
لعبت مجمل التطورات المتسارعة في المنطقة والعالم، دوراً بارزاً في تغيير العديد من الأولويات الدولية، وفي مقدمها الرئاسة اللبنانية لصالح ملفات عسكرية نجحت في إحداث تحولات ميدانية مرفقة بتغيير جدي حقيقي في «قواعد الاشتباك الأمني كما العسكري»، السؤال اليوم هل دخل العالم من البوابة العسكرية (حرب غزة إضافة إلى الرّد الإيراني)، مرحلة تغيير استثنائي في قواعد الاشتباك السياسي والمقصود (مساحات النفوذ العالمية) على الساحتين اللبنانية والاقليمية؟ ما مصير الرئاسة اللبنانية في هذه المرحلة؟ وهل يملك رئيس الجمهورية المقبل، «فرصة نجاح العهد»، بمعزل عن تسوية إقليمية، تفتح باب التعاون اللبناني اللبناني، وفرص الاستثمار العربي، والانعاش الاقتصادي.
بعيداً عن شعبوية البعض في مقاربة الملفات الداخلية والرهانات السياسية الفاشلة، فإنّ الرئاسة اللبنانية في غرفة الانتظار الدولي، كما انّ جعبة الخماسية خالية اليوم من أيّ إجابة رئاسية، وأيضاً من أيّ طرح استثنائي يمكن أن يشكل في الأسابيع والمراحل المقبلة مادة قابلة للبحث وأيضاً للترجمة، ما يرتب على الجميع وقت مستقطع، لا يملك فيه لبنان أكثر من تمرير التحديات بأقلّ خسائر أو تكلفة ممكنة.