ما قاله أبو عبيدة وما لم يقله…
} سعادة مصطفى أرشيد*
بعد غياب دام قرابة الشهرين فتح المجال للأسئلة والتكهّنات غير البريئة عن سر هذا الغياب، ولماذا لم يعد يطلّ علينا وهو الذي اعتاد الإطلالة الدائمة المتتابعة خلال الشهور الأربعة الأولى للحرب؟ فهل استشهد أم أنه غادر غزة أم أنه لم يعد لديه ما يقوله..؟
في إطلالة عصر أول أمس الثلاثاء، والتي استمرت لـ 20 دقيقة وضع أبو عبيدة حداً للأسئلة والتكهنات فهو حيٌّ يُرزق وفي كامل عافيته ويطلّ للمرة الأولى في صورة متحرّكة تسجيل فيديو فيما كانت إطلالته السابقة صورة ثابتة مع صوت. وهو موجود في غزة في موقعه وعرينه ولديه الكثير من الكلام الذي تحدّث به ولديه أكثر مما تقصَّد أن لا يتحدَّث به.
الثقة العالية بالنفس ومقدار القوة التي بدت في حديثه كانت واضحة وصادقة مبنية على معطيات أوضحها بالتفصيل، ولم تكن كلاماً حماسياً تعبوياً فقط. فهذا الموقف السياسيّ الصلب يعتمد على قدرة عسكرية ولا زال قادراً على مقارعة الاحتلال وإيلامه. وصف أبو عبيدة المعارك ويوميّات الحرب وقال إن لدى المقاومة مفاجآتها وهي مرنة في خوضها المعارك، إذ لديها تكتيكات مختلفة وخطط جاهزة لكل حالة ولكل جولة قتال. وتحدّث عن معركة رفح المقبلة واستعداد المقاومة لها والتي يدّعي نتنياهو وأركان حربه أنهم سيدمّرون بها آخر معاقل المقاومة وكتائبها (الكتيبة التاسعة عشرة حسب قولهم)، فيما تثبت الوقائع مصداقية أقوال أبي عبيدة بأن آلة الحرب (الإسرائيلية) لم تدمّر أصلاً معاقل المقاومة ولا كتائبها والتي لا زالت تقاتل الاحتلال في كل مكان من قطاع غزة.
تحدّث أبو عبيدة عن الدور الإيراني وخاصة في ليلة الثالث عشر – الرابع عشر من نيسان الحالي ودورها في دعم صمود غزة وفي إعادة رسم خطوط المواجهة وكسر قواعد الاشتباك السابقة، كذلك تذكر وأشاد بالشراكة مع المقاومات في لبنان والعراق واليمن. وأشار إلى دور الضفة الغربية خاصة في شمالها ودعا إلى تطوير عملها وتطوير الحراك الشعبي في الأردن، معتبراً أن غزة والضفة الغربية والأردن هو مجال واحد في الجغرافيا والديموغرافيا.
هذا الموقف السياسيّ القويّ مستند إلى القوة العسكرية التي لا زالت تملكها المقاومة الذي كان واضحاً في تجديد شروطه التفاوضيّة ومن موقع القويّ إذ أن صفقة تبادل الأسرى لا يمكن لها أن تبداً قبل تحقيق أربعة شروط هي خطوط حمراء لا يمكن التنازل عنها وهي: وقف دائم لإطلاق النار وعودة النازحين إلى شمال قطاع غزة وإعادة إعمار ما دمّرته الحرب، والانسحاب من كامل أراضي قطاع غزة التي احتلها (الإسرائيلي) بعد السابع من تشرين الأول الماضي، مؤكداً أن تلبية هذه الشروط بشكل مسبق هي المدخل الوحيد للحديث والتفاوض عن أي تبادل للأسرى الذين أشار أبو عبيدة إلى أن مصيرهم في حال تلكأت الحكومة (الإسرائيلية) في قبول شروط المقاومة سيكون كمصير رون أراد الذي لم يعُد يُعرف عنه شيء وغيره ممن لن يعودوا إلى أهاليهم؛ الأمر الذي سيخلق مشكلة للحكومة (الإسرائيلية) مع أهالي هؤلاء الأسرى الذين يملأون شوارع تل أبيب بضجيجهم وشكواهم.. وأكد أبو عبيدة أن الثمن الباهظ الذي تحمّلته غزة والشعب الفلسطينيّ دماراً وخراباً وشهداء وجرحى يجب أن يكون له ثمن يساوي هذه التضحية.
لكن ما تعمّد أبو عبيدة أن لا يقوله ربما كان بأهميّة ما قال، لا بل ربما وفي بعض مفاصله يفوق أهمية ما قال، فلم يأت أبو عبيدة متعمّداً على ذكر المساعدات الغذائية والإنسانية ومدى الحاجة إليها ولم يناشد أحداً حول طرح فتح المعابر وضروراتها ليفهم من يهمّه الأمر أنّ في (إسرائيل) أو في الإقليم ممن يشارك في حصار غزة وفي الحرب عليها، أن ورقة المعابر والمساعدات لم تعُد ورق ضغط على المقاومة أو على أهل غزة الذين تكيّفوا مع الحرب وظروفها.
لم يأت أبو عبيدة على ذكر الوسطاء ودورهم من قطريين ومصريين وأخيراً أتراك وتعمّد تجاهل حتى ذكرهم، كما لم يذكر أبو عبيدة السلطة في رام الله أو حكومتها الجديدة التي تشكّلت مؤخراً وتعامل مع تلك السلطة وحكومتها باعتبارهما غير موجودتين أصلاً .
أبو عبيدة بتجاهله هؤلاء وتعمُّد عدم ذكرهم وكأنه يقول ما قال الإمام الشافعي: ما حكّ جلدك غير ظفرك، ونحن وحلفاؤنا وحيدون في هذه المعركة وسنكون وحيدين في قطف ثمار نصرها.
*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير ـ جنين ـ فلسطين المحتلة.