قراءة في تقرير اللجنة الأممية المستقلة حول حيادية «الأونروا»
أحمد عويدات
على مدى أكثر من ستة أشهر من حملات الاتهام والافتراء، والاختباء وراء الأكاذيب ضد المنظمة الأممية الأونروا والتي ترافقت مع إعاقة مهامها، بل منعها من تقديم الغوث والمساعدة للاجئين الفلسطينيين، كما جاء في قرار ولايتها رقم 302، الصادر عن الأمم المتحدة إبان تشكيلها بعد نكبة 1948؛ يأتي تقرير كاترين كولونا – وزيرة خارجية فرنسا السابقة ورئيسة اللجنة الأمميّة المستقلّة المكلفة بالتحقيق في مزاعم دولة الكيان الواهية – ليقول كلمة الفصل في هذه الحملات.
ومن المفيد التذكير بأنّ هذه اللجنة بدأت عملها في شباط الماضي وبالتعاون مع معهد راؤول والنبرغ في السويد، ومعهد ميشيلسسون النرويجي، والمعهد الدنماركي، وكلها تعنى بحقوق الإنسان، وجاء تشكيلها من قبل الأمم المتحدة على خلفية افتراءات قدمتها «إسرائيل» ضدّ الأونروا باتهامها بالتعاون مع حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وأنّ عدداً من موظفيها شاركوا في عملية 7 أكتوبر، وأن منشآتها تنتهك الحيادية في الصراع.
وقامت لجنة المراجعة المستقلة بإجراء اتصالات مع ما يقارب من 50 دولة وهيئة ومنظمة دوليّة لها صلة بالأونروا، كما قامت بزيارات ميدانيّة لمنشآت الأونروا في الضفة الغربية والقدس وعمّان، وأجرت لقاءاتٍ مع أكثر من 200 موظف في الأونروا، ومع ممثلي الدول المانحة والسلطة و «إسرائيل».
وقد حدّدت اللجنة ثماني مجالات تتطلب مراجعة للتحسين من قبل الأونروا، وقدّمت تدابير عديدة لمساعدتها في تأكيد حيادها وعدم انحيازها لأيّ طرف، وتتعلق هذه المجالات بالحوكمة وتحسين التواصل مع الدول المانحة، وتعزيز الشراكات مع هيئات الأمم المتحدة، والهيكلية الإدارية والرقابة الداخلية، وحياديّة المناهج التعليمية، وحياد اتحاد العاملين، وحياد الموظفين والمرافق.
والأهم مما سبق، صرحت رئيسة اللجنة «أنّ الأونروا عملت باستمرار على ضمان الحياد في تعليمها، وأنها تتّبع نهجاً للحياد ربما كان أكثر تطوراً من أيّ نهجٍ في وكالات ومنظمات الأمم المتحدة الأخرى».
وعلى الرغم من أنّ التقرير لم يأتِ على تحديد مسؤولية «إسرائيل» في انتهاك حرمة المنشآت، وتدمير أكثر من 80% من المدارس؛ في محاولة للقضاء على البنية التحتيّة التعليمية، وحرمان نحو 625 ألف طالب من التعليم، وقتل أكثر من 13 ألفاً منهم، وارتكاب المجازر بحق النازحين الذين اتخذوا من مدارسها مأوىً لهم، وكذلك عدم الإشارة إلى قتل أكثر من 180 موظفاً من الأونروا، واعتقال المئات والتنكيل بهم وتعريتهم وتعذيبهم وإهانتهم أمام ذويهم، وإخفاء الكثيرين منهم، وعدم تطرق تقرير اللجنة إلى التدخل «الإسرائيلي» المتواصل في محتوى المناهج التعليمية والعمل على تكييفها وفقاً لسياسة الاحتلال؛
برغم كلّ ما تقدم فإنّ التقرير فنّد ادّعاء ومزاعم الاحتلال وزيف الرواية الصهيونيّة حول مشاركة 12 من موظفي الأونروا بعملية 7 أكتوبر وذلك لعدم تقديم أدلة واضحة تثبت ذلك.
ولعلّ أبرز ما جاء في التقرير، الذي رفضته الدولة المارقة، التأكيد على «دور الأونروا الذي لا يمكن استبداله أو الاستغناء عنه في المنطقة؛ لأنّ الأونروا تقوم بدور حيوي في الاستجابة الإنسانية في غزة»، وهذا من شأنه إفشال المخطط الإسرائيلي، كما سبق أن أعلن عن ذلك مسؤولون «إسرائيليون» وعلى رأسهم نتنياهو ووزير خارجيته كاتس، وكذلك الخطة الثلاثية التي كشفت عنها أيضا القناة 12 الإسرائيلية القاضية بإنهاء عمل وخدمات الأونروا، واستبدالها بهيئة أخرى؛
وذلك لإدراكهم أنها تمثل «شريان الحياة للاجئين الفلسطينيين» كما عبّر عن ذلك الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش. وكذلك إدراك القادة الصهاينة بأنها الحاضنة الدولية لحق عودتهم إلى ديارهم التي شرّدوا منها إبان نكبة 1948، وأنها الذراع الطويلة الخبيرة والقادرة على إيصال المساعدات لأكثر من مليون ونصف نازح في القطاع.
وفي هذا السياق، يأتي تصريح لازاريني المفوض العام للأونروا ليؤكد الارتباط العضوي الوجودي بين الأونروا وقضية اللاجئين بقوله: «إنّ الهدف الرئيسي للهجوم على الوكالة هو نزع صفة اللجوء عن الشعب الفلسطيني».
وعلى الضفة الأخرى، وعلى ضوء هذا التقرير،
حريٌّ بالدول المانحة التي علّقت أو أوقفت تمويلها للأونروا أن تستأنف دعمها؛ بل زيادته لتمكينها من تقديم الخدمات والمساعدات في هذه الظروف الكارثيّة والمأساويّة، التي يعاني منها اللاجئون الفلسطينيون في كافة ميادين عمل الأونروا الخمسة، وخاصة في قطاع غزة.
وفي هذا السياق، وبعد أن تبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود، لا بدّ للأونروا والهيئات الدولية الأخرى أن تقدّم للمحكمة الجنائيّة الدوليّة، ومحكمة العدل الدوليّة قادة الاحتلال الذين استهدفوا مقراتها وطواقمها وموظفيها، وقتلوا وجرحوا واعتقلوا ونكلوا من أحتمى تحت رايتها الزرقاء الأممية. ونعتقد أنّ في ذلك دعماً لدعوة المفوض العام للأونروا لمجلس الأمن للقيام بتحقيقٍ مستقلّ في استهداف مقار وموظفي وطواقم الأونروا .
وعلى الصعيد الفلسطيني والعربي، سواء الرسمي أو الشعبي، يجب التحرك لتشكيل لجان اختصاصية حقوقية وقانونية، لرفع دعاوى للتحقيق مع قادة جيش الإحتلال لجرائمهم بقتل أكثر من 180 موظفاّ من الأونروا وإصابة واعتقال واخفاء المئات منهم.
ختاماً، يُعدُّ هذا التقرير الأممي وثيقةً تاريخيةً وصفعةً جديدةً للاحتلال وداعميه، وسقوطاً مدوياً للرواية الصهيونيّة الزائفة أمام المجتمع الدولي وهيئاته، وفي الوقت ذاته نصراً للإنسانية.
ومن نافل القول، إنّ حياديّة الأونروا لا تعني بأي شكلٍ من الأشكال إسقاط هويتنا وانتمائنا الوطني، وتشويه تراثنا وقيَمنا وأصالتنا؛ بل التعبير دوماً عن حقنا كشعب بفلسطين وطناً وأرضاً وتاريخاً.
[email protected]