الإمبريالية أعلى مراتب الاستعمار والصهيونية أعلى مراتب الإمبريالية
ناصر قنديل
عندما كنا نقول إن كيان الاحتلال هو صفوة ما أنتجه العالم الغربي في مجال التقنيات وعقل الجريمة، وإن الغرب قد كرّس له فرص الوصول إلى آخر ابتكاراته ومنتجاته وحرية استخدامها دون ضوابط أخلاقية، كنا نستند الى التحليل والاستنتاج من خلال إدراك المكانة التي يحتلها الكيان في المشروع الغربي الاستعماري، والدور المنوط بهذا الكيان، وحجم امتداداته المصرفيّة والإعلاميّة والبرلمانيّة داخل هياكل دول الغرب. وعندما أطلق الإمام الخميني على هذا الكيان وصف الغدة السرطانية كان يشير الى منهجه العدواني التوسعي الذي لا يشبهه إلا تغول وعدوانية وتوسع الغدد السرطانية، لكن ما كشفته التحركات الاحتجاجية في الغرب جاء مفاجئاً رغم كل هذه القناعات المبدئية، حيث ظهر لنا حجم تفشي هذه الغدة السرطانيّة في جسد العالم، بما لم يكن في الحسبان.
من جهة، لقد رأينا كيف التقى الحزبان الديمقراطي والجمهوري على قلب رجل واحد، وهما في قلب منافسة انتخابية شرسة يصفها قادة الحزبين بأنها غير مسبوقة في التاريخ الأميركي، حيث كل شيء مسموح، لكنهما فجأة يصرخان بصوت واحد أن دعم كيان الاحتلال خارج التنافس الانتخابي، ويتراجع المتحفظون على التمويل عن تحفظهم ويوافقون على أضعاف ما كانوا يعترضون عليه، والأهم أن قادة المجتمع الحاكم سياسياً ومالياً وإعلامياً وعسكرياً في أميركا، يقفون ضد أبنائهم الذي ينتفضون في جامعات النخبة التي لا تستقبل غير أبناء هؤلاء القادة. ويتهم هؤلاء القادة أبناءهم بالفاشية والإرهاب والعداء للسامية ولا يمانعون اعتقالهم بوحشيّة من قبل الشرطة، كرمى لعيون الكيان وتقديراً لخطورة انتشار وعي نقديّ يفضح الوظيفة الإجرامية لهذا الكيان ويفتح عيون المواطنين في الغرب على هذه الحقيقة ويدعو لمقاطعته. وهذا التوحش في سلوك القادة يدلنا على حجم انتشار وتفشّي هذا السرطان.
تأتي لنا الأخبار بما لم نكن نعلم، وهو الأهم، ينتفض الطلاب في جامعة كولومبيا ثم يلحق بهم طلاب جامعات أميركا، والشعار واحد، إضافة للعناوين التضامنية مع شعب فلسطين وقضيته ضد الجريمة المتمادية. والشعار هو أوقفوا اتفاقيات التعاون مع جيش الاحتلال، وأوقفوا الاستثمارات في المشاريع العسكرية لجيش الاحتلال. وعندما ندقق سوف نكتشف أن سائر التحركات الطالبية الجامعية ترفع الشعار ذاته. وقد اكتشف طلاب الجامعة كم هي الاستثمارات التي تمنحها إدارة جامعتهم لجيش الاحتلال في تنفيذ مشاريع عسكرية تقنية تستخدم في حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني. كما اكتشفوا اتفاقيات توضع من خلالها ابتكارات الطلاب التقنية بتصرّف جيش الاحتلال لاختيار ما يناسب منها وتطويره لترجمة مشاريع القتل والاستيطان والتوحش والإجرام. فإذا بنا نكتشف أن التفوق التكنولوجي للكيان هو خلاصة التفوق التكنولوجي لكل الجامعات الأميركية مجتمعة، وقد وضعت بتصرّف الكيان خلاصة ابتكارات طلاب الجامعات، بما لم يحظ بمثله الجيش الأميركيّ نفسه.
كي تكتمل الفضيحة، يكشف عاملون في شركة ميتا التي تملك تطبيق انستغرام وشبكة فيسبوك أن الشركة وضعت بنك المعلومات الذي يخص المشتركين بتصرّف برامج المعالجة التقنية الإسرائيلية لتحليلها واستخراج المعلومات الاستخبارية التي تفيد جيش الاحتلال ومخابراته بالوصول الى ما يخدم ملاحقتها للنشطاء والتعرف على الوجوه والأسماء والعلاقات العائلية للمشتركين الذين تلاحقهم مخابرات الاحتلال بتهم الانتماء إلى قوى المقاومة. وفي الوقت ذاته تطبق الشركة معايير إسرائيلية في التعامل مع مشتركيها وتقييد منشوراتهم، حيث يكتشف أي متابع ان الانحياز للكيان لا يمثل مخالفة، بينما مجرد الحكم بحيادية بين جيش الاحتلال والمقاومة الفلسطينية يعامل كانتهاك لمعايير النشر.
أخطر ما اكتشفناه في هذه الحرب كان ما أعلنه موظفون في شركة غوغل، حيث قامت شركة غوغل بفصل 28 موظفاً لمشاركتهم في اعتصام لمدة 10 ساعات في مكاتب هذه الشركة العملاقة في نيويورك وسانيفيل بولاية كاليفورنيا، للاحتجاج على العلاقات التجارية للشركة مع الحكومة الإسرائيلية”. ووفقاً للمقالة، طالب المحتجون شركة غوغل بإنهاء عقد مشروع نيمبوس بقيمة 1.2 مليار دولار، والذي بموجبه توفر Google Cloud وAmazon Web Services خدمات الحوسبة السحابيّة والذكاء الاصطناعي للحكومة والجيش في “إسرائيل”. وذكرت صحيفة نيويورك تايمز نقلاً عن مصادر، أن “إسرائيل” أدخلت نظاماً تجريبياً للتعرّف على الوجه في قطاع غزة للمراقبة الجماعية للفلسطينيين. وأعلن ممثل للمخابرات الإسرائيلية للصحيفة، أن نظام التعرف على الوجه يستخدم تقنيات من الشركة الإسرائيلية الخاصة Corsight وGoogle Photos.
هذا التغوّل السرطانيّ على مساحة العالم هو المعنى الذي تختزنه مفردة الإمبريالية في الإشارة إلى أعلى مراتب الاستعمار، لنكتشف أن الصهيونية أعلى مراتب الإمبريالية، ومخطئ من يعتقد ان “اسرائيل” تحكم أميركا أو تديرها، بل إن أميركا المركز الإمبريالي الذي يحكم العالم ويدير “إسرائيل” هو مركز صهيوني بامتياز. والكيان ليس إلا أداة وظيفية لهذه الإمبريالية الصهيونية.