“ما بيشبهونا”: مولود شرعي لصدام الحضارات
ركيزتان قامت عليهما ثقافة وفلسفة القرن الأميركي، كما أسماه منظرو المحافظين الجدد في وثيقتهم الشهيرة، زعامة القرن الحادي والعشرين، هما نظرية نهاية التاريخ التي تقول إن آخر نموذج بشرّي للتمدّن هو نموذج العولمة القائم على التنافس على الرفاه، بعدما ماتت العقائد والقضايا فسقطت الهويّات، ونظرية صدام الحضارات التي تقول عملياً إن التحالف الغربي القائم على عمق ديني مسيحي وإنجيلي ويهودي هو حامل مشروع التمدن الحضاري، وإنه سوف يواجه ممانعة شعوب متخلفة ومتوحّشة ترفض التمدن، وإن الصدام بين الحضارات هو المنازلة الفاصلة التي لا بد منها حتى يسود السلام في العالم.
ولأن القضية تُحسم في الشرق، كما هو واضح، فإن الحروب الأميركية والإسرائيلية على أفغانستان والعراق ولبنان وغزة، كانت في سياق هاتين الفلسفتين، نهاية التاريخ وصدام الحضارات، ومنها اشتقت مدارس ثقافية تم رصد مليارات الدولارات لتحويلها الى برامج وأفلام وخطاب سياسي ونماذج اجتماعية، حيث المثلية منتج حضاريّ متمدّن جديد، والانتقال من زمن الأحزاب العقائدية إلى زمن الأنجي أوز تعبير متمدّن حضاريّ. وفي قلب هذه الحزمة من المفاهيم والنظريات كان مشروع التطبيع مع كيان الاحتلال أحد نماذج مشروع التمدّن الحضاري المعروض علينا.
منتجان ثقافيان ظهرا كضرورة لتسويق كل النماذج الجديدة، الأول هو “ما بيشبهونا”، والثاني هو استحالة إلحاق الهزيمة بجيش الاحتلال. وقد تلقى هذا المنهج الثقافي صفعة على وجهه تسببت بكسر فكه، عندما استعمل الطلاب الأميركيون مصطلح ما بيشبهونا في وصف جيش الاحتلال، وتحدّثوا عن الأخوة الحضاريّة مع الفلسطينيين، فأسقطوا نظرية صدام الحضارات بالضربة القاضية. وكذلك عندما خرج طوفان الأقصى ليحوّل جيش الاحتلال الى مسخرة عالمية في مزاعمه عن القوة التي لا تُقهر.
بوضوح يبدو التاريخ الجديد وقد بدأت كتابته على أيدي الشعوب، من غزة الى جامعة كولومبيا، ويبدو من التحق من اللبنانيين والعرب بنظريتي صدام الحضارات ونهاية التاريخ تحت شعاري “ما بيشبهونا” و”جيش الاحتلال لا يهزم”، مثل سيارة نفد من خزاناتها الوقود، ولكنها راحت تسير في منحدر بقوة بتأثير الجاذبية فيتخيل من يراها أنها مليئة بالوقود وتسير بسرعة.
انتهت صلاحية النظريتين، وصلاحية أصحابهما.
التعليق السياسي