حماس تمسك زمام المبادرة التفاوضي بقبول آخر صيغة للوسطاء وتُحرج نتنياهو / النص المقترح يلبي شرط حماس بربط إنهاء ملف الأسرى بإنهاء الحرب والحصار / الاحتلال يقتحم معبر رفح… ومقتل ضابطين في المطلة… و3 قتلى في كرم بو سالم /
كتب المحرّر السياسيّ
فاجأت حركة حماس المشهد الإقليمي والدولي بالإعلان عن موافقتها غير المشروطة على المقترح الأخير الذي تلقته من الوسطاء، والذي جاء عبر إدخال تعديلات قام بها الثلاثي الأميركي المصري القطري على نص المقترح الأصلي، بناء على تلقّيه ملاحظات قوى المقاومة ممثلة بحركة حماس من جهة، وحكومة كيان الاحتلال من جهة مقابلة، وقام الوسطاء بعرض الصيغة المعدّلة على الطرفين، فكان جواب حماس بالموافقة، مقابل تلعثم حكومة الكيان.
الواضح أن وراء الصيغة المعدّلة محاولة أميركية لملاقاة الحد الأقصى الممكن لشروط المقاومة طلباً للتوصل إلى اتفاق، ومدير المخابرات الأميركية وليم بيرنز جاء الى المنطقة أصلاً للإشراف على اللمسات الأخيرة على التعديلات، في ضوء تقدير موقف استخباريّ كشفت عنه وسائل إعلام أميركية قوامه أن الروح الهجوميّة التي أظهرتها إيران في ردها الرادع على غارة القنصلية، وما تضمّنه الرد من حشد تسليحيّ وناريّ، ومثله الهجومية المتصاعدة التي تبديها جبهات الإسناد اللبنانية واليمنية والعراقية، كلها تتقاطع عند معادلة قوامها، إذا سقط التفاوض وعاد الاحتكام الى الميدان، فإن محور المقاومة ذاهب الى طريق اللارجعة في الحرب. وبمثل ما يذهب الكيان إلى معركة رفح، فإن أكثر من رفح مرشحة للاشتعال على خرائط المنطقة.
حصلت حماس على ما تريد، ربط إنهاء ملف الأسرى بإنهاء صريح واضح للحرب والحصار والاحتلال، بحيث لا تبدأ المرحلة الثانية من تبادل الأسرى إلا مع الإعلان عن التهدئة المستدامة كإطار لنهاية الحرب، ويعلن ضمنها عن الانسحاب الشامل للاحتلال من كامل قطاع غزة، والفك النهائي للحصار.
لم تتردد حماس بإعلان الموافقة بعد التشاور مع سائر فصائل المقاومة الفلسطينية ووضعت حلفاءها في صورة موقفها، مستقوية بإخلاصهم لمعادلتين ذهبيتين وفّرتا لها فرص التفاوض من موقع القوة، لا تهدئة في أي جبهة دون التهدئة في غزة، وحماس تفاوض بالنيابة عن كل محور المقاومة.
في الميدان، ردت حكومة بنيامين نتنياهو على موافقة حماس، باقتحام معبر رفح وإعلان بدء عملية كبرى في رفح، ثم التراجع الى اعتبارها عملية محدودة، وتلعثم خطاب حكومة الكيان، وقد وضعته موافقة حماس في وضع صعب، بينما كانت جبهات غزة والإسناد تشتعل، وقد سقط لجيش الاحتلال في قصف المقاومة من غزة لموقع كرم ابو سالم ثلاثة جنود قتلى، بينما أسقطت طائرة مسيّرة من جنوب لبنان نحو مستعمرة المطلة ضابطين قتيلين.
وفيما أعلنت حركة حماس موافقتها على مقترح لهدنة طويلة في غزة، اقتحم جيش الاحتلال الإسرائيلي معبر رفح وسيطر بالكامل على الجانب الفلسطيني منه، ترقب محلي لانعكاس ذلك على الجبهة الجنوبية لجهة استمرار العملية العسكرية الإسرائيلية على رفح أو نجاح مفاوضات القاهرة وموافقة «إسرائيل» على الورقة المصرية.
ولفتت مصادر مطلعة لـ«البناء» الى أن «المقاومة في لبنان تراقب التطورات الجديدة وإلى أين تتجه، وستبني على الشيء مقتضاه، لأن استمرار الاجتياح البري لرفح سيرفع التصعيد في غزة وأيضاً على صعيد جبهات الإسناد، ما قد يوسّع الجبهة الجنوبية»، لافتة الى أن «المقاومات في المنطقة على أتم الجهوزية لرفع وتيرة العمليات العسكرية ضد «إسرائيل» والمواقع الأميركية في سورية والعراق».
وإذ رجّحت معلومات «البناء» نجاح مفاوضات القاهرة وموافقة حكومة الاحتلال الإسرائيلي خلال أسبوع بعد انتهاء المناورة العسكرية في رفح، لوجود بصمات إسرائيلية واضحة في الورقة المصرية أي موافقة مسبقة، يشير الخبير العسكري والاستراتيجي العميد شربل أبو زيد، لـ«البناء» إلى أن «موافقة حركة حماس على المقترح المصري بضمانة أميركية، فاجأت الحكومة الإسرائيلية بعد مفاوضات عسيرة قادها مدير المخابرات الأميركية المركزية وليم بيرنز منذ أكثر من أسبوع في القاهرة، وذلك بعد تنازل حماس عن بند وقف إطلاق النار الدائم المكتوب في متن الاتفاق، بل هدنة مستدامة»، لذلك وفق أبو زيد، فإن «عملية رفح ستكون محدودة، لإعطاء صورة نصر وهمي لنتنياهو لكي يبيعه للمستوطنين ويواجه به فريق اليمين المتطرف في حكومته لعدم فرط الحكومة». وتوقع أبو زيد أن «تنسحب أي هدنة ووقف إطلاق نار في غزة على الجبهة الجنوبية التي لا تزال تتحرك ضمن قواعد اشتباك معينة»، لافتاً الى أهمية الجبهة الجنوبية في رفع الضغط على حكومة الاحتلال الإسرائيلي لدفعها لوقف العدوان على غزة، لا سيما العمليات النوعية التي تقوم بها المقاومة ضد مواقع وتجمعات الاحتلال الإسرائيلي».
وكانت المقاومة الإسلامية شنَّت هجومًا جويًا بمسيّرات انقضاضيّة استهدفت ضبّاط العدوّ وجنوده أثناء تمركزهم في باحة ثكنة «يفتاح» وأصابتهم بدقة وأوقعتهم بين قتيل وجريح. واستهدفت طائرات أخرى إحدى منصّات القبّة الحديدية المتموضعة جنوب ثكنة «راموت نفتالي» وأصابتها إصابة مباشرة أدت إلى إعطابها. كما استهدفت التجهيزات التجسسية في موقع السماقة في تلال كفرشوبا اللبنانية المحتلة بالأسلحة المناسبة وأصابتها إصابة مباشرة. كذلك، بعد رصد ومتابعة لجنود العدو في موقع الراهب، وأثناء تحرّكهم داخل إحدى الدشم، استهدفها مجاهدو المقاومة الإسلامية بالأسلحة الصاروخية الموجهة وأصابوها إصابة مباشرة. وبعد قرابة الساعة والنصف من الهجوم الجويّ بالمسيّرات على ثكنة «راموت نفتالي»، وعند تجمّع جنود العدوّ داخل الثكنة، استهدفهم مجاهدو المقاومة الإسلامية بصاروخ موجّه وأوقعوهم بين قتيل وجريح. كما واستهدف مجاهدو المقاومة ثكنة زبدين في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة بالأسلحة الصاروخية وأصابوها إصابة مباشرة.
على الصعيد الدبلوماسيّ، رجحت مصادر سياسية لـ«البناء» أن يعود الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين الى لبنان بعد موافقة «إسرائيل» على الهدنة ووقف إطلاق النار في غزة، لمتابعة المباحثات في الملف الحدوديّ، وأفادت مصادر إعلامية بأن «السفارة الفرنسية تسلّمت صباح اليوم (أمس) الردّ اللبناني على مضمون الورقة الفرنسيّة وهي بصدد درس الملاحظات عليها بانتظار الرد الإسرائيلي لإجراء التعديلات اللازمة». وكشفت المصادر، أن «ملف الرئاسة في لبنان يفترض أن يُحسم قبل موسم الصيف لأن تموز وآب يُعتبران شهرين لا سياسة فيهما بسبب العطل الصيفيّة»، لافتةً الى أن «الموفد الفرنسي جان ايف لودريان توجّه الى القاهرة في زيارة خاصة مقررة مسبقاً لالقاء محاضرة عن أزمات الشرق الأوسط ولا زيارة قريبة له الى لبنان قبل نضوج التسوية الرئاسية».
ووضعت مصادر مطلعة الأخبار التي تتحدث عن توجه «إسرائيل» من شن عدوان عسكري كبير على لبنان فور الانتهاء من اجتياح رفح، في إطار الشائعات والتهويل ومحاولة إسرائيلية للتعويض المعنوي والإعلامي بعد هزائم متتالية لجيش الاحتلال في غزة وتكبده خسائر عسكرية كبيرة على الجبهة الشمالية مع لبنان.
الى ذلك، جدّد رئيس مجلس النّواب نبيه بري، التّأكيد على أنّ «لبنان ليس بلدًا مفلسًا، إنّما متخلّف عن السّداد والدّفع للمودعين مستحقّاتهم الّتي هي من المقدّسات، سواء كانت لأفراد أو نقابات أو مؤسّسات، ويجب أن تُعاد إلى أصحابها عاجلًا أم آجلًا».
وأشار، خلال لقائه في عين التّينة، نقيبَي المهندسين في بيروت وطرابلس والشّمال فادي حنا وشوقي فتفت، وأعضاء مجلسَي النّقابتين، في زيارة بروتوكوليّة بعد الانتخابات الجديدة لمجلسَي النّقابتَين، إلى أنّ «الصّناعة الوحيدة الّتي يزدهر بها لبنان، هي صناعة الإنسان، فكيف إذا ما أُتيح لهذا البلد ولإنسانه التّحرّر من القيود الطّائفيّة والمذهبيّة؟». ونوّه برّي بـ»الأجواء التّنافسيّة والدّيمقراطيّة الّتي سادت الانتخابات الأخيرة للنّقابتَين»، مشدّدًا على «الدّور المحوري الّذي يجب أن تطلع به نقابات المهن الحرة ومن بينها نقابتَا المحامين والمهندسين، في صنع قيامة لبنان وتقديم صورته الفضلى في الدّاخل والخارج».
على صعيد ملف النزوح السوري في لبنان، دعا الرئيس بري الى جلسة مناقشة حول الموقف من الهبة الأوروبية الأربعاء المقبل.
وبحث وزير الخارجية عبدالله بوحبيب في ملابسات الهبة الأوروبيّة التي قُدّمت للبنان وفي ملف النزوح السوري وكيفية مواجهته. وضمّ الوفد النواب ندى البستاني، نقولا الصحناوي، سليم عون، جورج عطالله، شربل مارون، سامر التوم، جيمي جبور. وبعد اللقاء أكد الصحناوي الذي تحدّث باسم الوفد رفض أي اتفاق مع الاتحاد الأوروبي أو مساومة تمسّ حقوق لبنان، مشيراً إلى أنَّ الوفد استوضح من الوزير بوحبيب حول شروط الهبة الأوروبية، مؤكداً رفض أيّ شرط لإبقاء النازحين السوريين لأنَّه ملف وجودي. وشدّد على أن ما يتم في لبنان لجهة تطهير شعب بأكمله واستبداله بشعب آخر، لا يقل عما يحصل على حدودنا في فلسطين المحتلة من إبادة.
كما زار الوفد سفارة الاتحاد الأوروبيّ والتقى السفيرة ساندرا دي وايلي. وأعلنت النائب ندى البستاني بعد اللقاء باسم الوفد أن الزيارة تأتي استكمالاً للمؤتمر الصحافي لرئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، السبت، وأنَّ الوفد شدد على عودة النازحين السوريين. وأشارت البستاني إلى أنه تم استيضاح تفاصيل الهبة الأوروبية، وبحث كيفية تقريب وجهات النظر حول ملف النزوح، مؤكدةً أنه ستكون للتيار والتكتل مواقف إضافية في هذا الإطار.
وأشار مصدر نيابي لـ«البناء» الى أن «المسؤولية تقع أولاً على الولايات المتحدة الأميركية والقوى الأوروبية وبعض الدول الخليجية والعربية التي شرَعت بالحرب على سورية وصنعت الأزمات ومن ضمنها أزمة النازحين السوريين، وثانياً على المجتمع الدولي والأمم المتحدة اللذين لم يتخذا أي إجراءات لوقف نزيف الحرب في سورية، وثالثاً على الحكومة اللبنانية آنذاك التي سمحت للنازحين السوريين بالدخول الى لبنان بالآلاف اضافة الى بعض القوى اللبنانية كحزبي الكتائب والقوات اللبنانية اللذين أديا أدواراً سياسية وأمنية خطيرة لتشجيع هجرة النازحين الى لبنان»، وأضاف المصدر: «على لبنان ألا ينتظر المجتمع الدولي والاتحاد الأوروبي لحل الأزمة، لأن هذه القوى تريد تحقيق مصالحها وليس مصلحة لبنان». ولفت الى أن «زيارة الرئيس القبرصي ورئيسة المفوضية الأوروبية، هدفت لإبقاء النازحين في لبنان عبر رشوة رخيصة». وخلص المصدر الى أن «النازحين باقون في لبنان ولا أفق لعودتهم في المدى المنظور إلا بقرار غربي».