حماس ترمي الكرة في ملعب نتنياهو وتوافق على مقترح للوسطاء يتضمّن “هدنة مستدامة”
حسن حردان
يبدو واضحا ان حركة حماس، وبتفويض من فصائل المقاومة، أدارت المفاوضات بكفاءة عالية، كما أدارت المعركة على مدى الشهور السبعة الماضية في ميدان القتال.. هذه النتيجة التي يمكن الخروج بها من موافقة حماس على اتفاق معدل لوقف اطلاق النار بصيغة “هدنة مستدامة” وتبادل الأسرى قدّمه الوسطاء القطريون والمصريون بموافقة وحضور مدير المخابرات الأميركية في الدوحة وليم بيرنز، موافقة أدت إلى نقل الكرة من ملعب المقاومة إلى ملعب حكومة بنيامين نتنياهو.. الذي بات، حسب المراقبين، امام مواجهة لحظة الحقيقة، وأن إقدامه على لعب ورقته الأخيرة في رفح للضغط على حماس لمحاولة انتزاع تنازلات جوهرية منها في اللحظة الأخيرة، لن يقود إلا إلى إطالة الأمر لبعض الوقت قبل أن يجد نفسه أمام نفس النتيجة وهي الإقرار بفشله في تحقيق أهداف حربه وان الاستمرار في الحرب لم يعد مجديا، وان جيشه العاجز في غزة أصبح يراوح في المكان وعرضة لحرب استنزاف أشرت إليها هجمات المقاومة الفعالة والمتواصلة ضد مواقع قوات الاحتلال في محور نتساريم وموقع كرم ابو سالم.. فيما جبهات المساندة من لبنان والعراق واليمن تواصل حرب استنزاف الكيان بقوة وفعالية…
في المقابل فإنّ نتنياهو بات بعد موافقة حماس على مقترح الوسطاء في مواجهة معارضة داخلية ودولية غير مسبوقة تطالبه بالتوقف وقبول الصفقة..
الاتفاق المعدل بعض الشيء الذي وافقت عليه حركة حماس، وكانت “إسرائيل” قد وافقت عليه، يتكوّن من خمسة بنود اساسية تلبّي معظم مطالب فصائل المقاومة الفلسطينية، وينفذ على ثلاث مراحل مترابطة كل مرحلة تستمر 42 يوماً، وتنص على:
اولا، انسحاب اسرائيلي من القطاع على مرحلتين، في المرحلة الأولى إلى حدود القطاع، وفي المرحلة الثانية الانسحاب الكامل إلى خارج القطاع، اي إلى ما كان الوضع قائما قبل سبعة أكتوبر..
ثانيا، تبادل الاسرى والجثامين على ثلاث مراحل.
ثالثا، عودة النازحين إلى مناطق سكناهم في شمال غزة وغيرها من المناطق بدون شروط.
رابعا، الإغاثة والإيواء،
خامسا، رفع الحصار وإعادة الإعمار في مدة خمس سنوات..
لكن مكتب نتنياهو ردّ سريعا على هذا الاتفاق، بإعلان انّ مجلس الحرب وافق بالإجماع على مواصلة العملية في رفح حتى تحقيق أهداف الحرب والضغط على حماس لتحرير الاسرى، كما وافق على إرسال وفد اسرائيلي إلى القاهرة للتفاوض مع الوسطاء لتعديل الاتفاق، واعتبار مطالب حماس بعيدة عن مطالب اسرائيل..
غير انّ هذه المحاولة الأخيرة من نتنياهو لن تقود إلى أي نتيجة، لأنّ المقاومة باتت في موقع قوي في المفاوضات كما في الميدان، في حين أنّ نتنياهو اصبح في مأزق أكبر وفي مواجهة ضغوط غير مسبوقة داخليا وخارجيا:
اولا، على الصعيد الداخلي،
ـ 60 بالمائة باتوا يؤيدون صفقة حتى ولو أدّت إلى وقف الحرب، وهم سوف يضغطون اكثر على حكومة نتنياهو للقبول بالصفقة..
ـ تنامي الاعتراض على القيام بعملية في رفح لأنها ستعطل ابرام الصفقة وتهدد حياة الأسرى…
ثانياً، على الصعيد الخارجي
نتنياهو سيكون في مواجهة ضغط كبير من واشنطن، التي شاركت في صياغة الاتفاق مع الوسطاء، والمجتمع الدولي والرأي العام العالمي للقبول بالصفقة..
لذلك يحاول نتنياهو المناورة، في مواجهة هذا الضغط، من خلال وضع الملاحظات التي تعترض على العديد من البنود في الاتفاق بما يؤدي إلى تعطيل الصفقة.. وأهمّ هذه البنود تلك التي تتضمّن “هدنة مستدامة”، وهي الصيغة التي وافقت عليها حماس بدل وقف دائم لإطلاق النار.. لأنّ نتنياهو لا يريد وقفاً للحرب، ويريد اتفاقاً مؤقتاً لاستعادة الأسرى ومن ثم معاودة استئناف الحرب، والمقاومة تريد أن يؤدي الاتفاق إلى وضع نهاية للحرب ورفع الحصار والبدء بإعادة الإعمار الأمر الذي يعتبر نتنياهو هزيمة لـ “إسرائيل”…
لذلك بات نتنياهو مكشوفاً أمام الإسرائيليين وفي مواجهة العالم، وإدارة أميركية غير قادرة في مواصلة الدفاع عنه بعد أن وافقت على الاتفاق واعطت الضمانات لالزام إسرائيل بتنفيذه..
السؤال، ماذا سيكون موقف واشنطن في مثل هذه الحالة،
إذا كانت إدارة بايدن فعلاً جادة في دعم الصفقة، فإنه لا يجب أن تروّج لإعادة النقاش حول الاتفاق إرضاء لنتنياهو لأنّ ذلك سيؤدي إلى نسف الاتفاق والعودة إلى النقاش من جديد حول كلّ البنود.. واذا كانت واشنطن تريد الاتفاق لوجود مصلحة لها فيه، لامتصاص تنامي سخط الرأي العام الأميركي ضدّ استمرار الحرب في غزة، ولادراكها انّ “إسرائيل” وصلت إلى طريق مسدود في حربها، هناك احتمال بأن تسلك واحداً من خيارين لدفع نتنياهو للموافقة على الاتفاق:
الخيار الأول، أن تقنع نتنياهو بتقديم شبكة أمان له لبقاء حكومته، اذا ما انسحب منها وزراء الأحزاب الصهيونية المتطرفة المعارضين للاتفاق، من خلال دعم كتلة المعارضة برئاسة يائير لابيد للحكومة في الكنسيت.. وبالتالي تأمين الحماية السياسية لنتنياهو..
الخيار الثاني، أن تلجأ واشنطن، في حال رفض نتنياهو الخيار الأول، إلى دفع المعارضة الإسرائيلية والقوى التي تدين بالولاء لواشنطن إلى تصعيد التحرك الشعبي الداعم للاتفاق من خلال المشاركة الكثيفة في التظاهرات بحيث ينزل مئات آلاف من الاسرائيليين إلى الشارع للضغط على نتنياهو لإجباره على قبول الاتفاق..
لذلك فإن كل المؤشرات تشير الى ان العالم بات أمام ايام او اسابيع قليلة حاسمة لاقرار الصفقة..
اما عملية رفح فإن نتنياهو يحاول من خلال البدء بها ممارسة الضغط بتشديد الحصار على سكان القطاع عبر إقفال معبر رفح لدفع حماس لتقديم تنازلات في الصفقة.. لكن مثل هذه المحاولة سيكون مصيرها الفشل لانّ المقاومة في موقف قوي، وما لم تقبل به طوال شهور الحرب لن تقبل به اليوم وقد بات نتنياهو في مواجهة ضغط داخلي وخارجي للقبول بالصفقة..
من هنا باتت حكومة نتنياهو على مفترق طرق، لكن نتنياهو يحاول في هذه الأثناء جسّ نبض العالم والداخل الإسرائيلي إزاء عملية رفح، هل سيواجه معارضة قوية، ام مجرد اعتراض خجول، ففي الحالة الأخيرة فانّ ذلك سيعتبره تصريحاً له للإيغال في العملية، اما في الحالة الأولى فإنه سيجد نفسه مضطراً للتوقف وعدم الاستمرار.. وبالتالي الاكتفاء بالضغط لمحاولة تحسين شروط الصفقة.. والحصول على بعض التعديلات في الاتفاق.. وفي كل الأحوال فإنّ استمرار نتنياهو في عملية رفح واجتياحها لن يحقق له نصراً او صورة نصر في الميدان.. ومن المتوقع أن يواجه الفشل على غرار شمال غزة وخان يونس، كما تؤكد فصائل المقاومة الفلسطينية.. وعندها يكون نتنياهو قد استنفذ آخر أوراقه، ووصل إلى الحائط المسدود في محاولته اليائسة لبلوغ ما يسميه النصر المطلق المستحيل التحقق..