قناة الحبتور الاستثمار بالتّطبيع
شوقي عواضة
في تاريخ الأمم ما من مقاومة قاتلت الاحتلال وحرّرت الأرض وانتصرت إلّا واعتلت سدّة الحكم. وفي تاريخ الشّعوب ما من مقاومة تآمر عليها الخونة والعملاء إلّا وتمّت محاكمتهم وفقاً للقوانين المرعية الإجراء بدءاً من المقاومة الفرنسية والفيتناميّة والجزائريّة وغيرها من فصائل المقاومة.
ففي فرنسا مثلاً التي كرّست عام 2024 عاماً تكريميّاً لشهداء مقاومتها بعد مرور ثمانين عاماً على انتصارها قامت السّلطات الفرنسيّة وبحضور الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان نقل رفات المقاوم الشّيوعي من أصول أرمنيّة ميساك مانوشيان الى “مقبرة العظماء” (البانتيون) في باريس برفقة زوجته ميليني سوكميان، بعد 80 عاماً من إعدامه بالرّصاص على يد النّازيين في “مون فالريان” بالضاحية الباريسيّة. وذلك تكريماً له ولكلّ مقاتلي المقاومة الأجانب في فرنسا في إطار سلسلة أنشطةٍ تذكاريّة طويلة لهذا العام.
هذا في فرنسا التي يتغنّى معظم السياسيّين اللبنانيّين بحرّيتها وديموقراطيتها التي كشّرت عن أنيابها في مواجهة كلّ الأنشطة والتحرّكات الطلابيّة والشّعبيّة التي شهدتها المدن الفرنسيّة مطالبة بوقف العدوان على غزة بل وتقمّصت دور الوسيط في لبنان الذي لا يعنيها شعبه ولا أمنه ولا استقراره إنّما يعنيها هدفٌ واحدٌ تسعى لتحقيقه وهو محاولة حصار المقاومة في لبنان وضمان أمن الكيان الصّهيوني ضمن ثلاثية أدوار تتقاسمها مع أميركا وبريطانيا إضافة إلى دول التّطبيع في خضمّ عدوان يشنّه العدوّ الصّهيوني على غزّة، إضافة الى استباحته للسيادة اللبنانيّة أمام مرأى من العالم أجمع وخلفه يقف بعض السّياسيّين اللبنانيّين من أصحاب السيادة المصنّعة فرنسيّاً وأميركيّاً يصفّقون له ويرحّبون بحلوله “الديموقراطيّة” في معركةٍ إعلاميّة لا تقلّ شراسة عن المواجهة العسكريّة سخّرت لها كلّ الجهود والإمكانيّات والأبواق الفتنويّة والتحريضيّة التي تديرها السّفارة غرفة عملياتٍ إعلاميّة اسرائيليّة أميركيّة إماراتيّة سعوديّة مركزها الإمارات.
الجديد في الموضوع بعد عجز تلك الأبواق عن إباحة الخيانة للوطن والتواصل مع العدوّ الاسرائيلي بكافّة أشكاله والتّطبيع معه تحت عنوان حريّة الرأي والتعبير تارة وتحت مسمّيات أخرى تصدّر جنرال التّطبيع مع كيان العدوّ خلف الحبتور قيادة تيار المتصهينين من الإعلاميّين بإعلانه عن افتتاح قناةٍ فضائيّةٍ في بيروت ومدينة إعلاميّة وتوظيف قرابة ثلاثمئة لبناني.
في الواقع إنّ لبنان يرحّب بأيّ مستثمر من أيّة دولة كانت باستثناء كيان العدوّ الاسرائيلي بما يتلاءم مع أنظمته وقوانينه، وهذا لا ينطبق على خلف الحبتور الذي يتباهى بتطبيعه مع العدوّ الإسرائيلي والذي يمتلك فرعاً لشركته في الكيان الصّهيوني في تل أبيب. أمّا عن عدم أهليته السياسيّة للاستثمار وعدم أهلية مشروعه المرتبط عضوياً بالمشروع الصّهيوني في المنطقة والذي يحمل العديد من العناصر التي لا تتلاءم مع القوانين اللبنانيّة وفقاً لما يلي:
1 ـ إنّ المطبّع المتصهين خلف الحبتور الذي يجتمع دورياً بمسؤولين صهاينة هو أحد جنرالات الحرب على المقاومة في لبنان والمنطقة.
2 ـ يشكّل فتح قناة الحبتور في لبنان مرحلة جديدة من المواجهة مع الرّافضين للتطبيع بالتزامن مع الضّغوط التي يمارسها الغرب على لبنان حرصاً على أمن الكيان، وبالتالي فإنّ الحبتور يتصدّر معركة التّطبيع مع العدوّ من لبنان.
3 ـ انطلاق مشروعه من خلفيّةٍ سياسيّةٍ صهيونيّةٍ خاصة أنّه على ارتباطٍ مباشرٍ ومن خلال اتفاقياتٍ موقعة بينه وبين العديد من شركات العدوّ الاسرائيلي ومنها شركة موبايلي للاتصالات الذي تربطه علاقاتٌ وثيقةٌ بمديرها العام الصّهيوني آمنون شاشوا.
4 ـ لا يمكن فصل مشروعه السّياسي تحت أيّ مسمّى كان وعدم إدراجه ضمن أجندة العدوّ الصهيوني خاصّة أنّه مبني على التحريض الطّائفي والمذهبي وفقاً لتصريحاته على مواقع التواصل ووسائل الإعلام.
5 ـ تعارض خطابه التحريضي الموجّه ضدّ فئة كبيرة من اللبنانيّين ممّا يترتّب عليه التحريض والفوضى وإثارة النّعرات والفتن من أجل تحقيق أهداف العدو التي عجز عن تحقيقها على مدى سنوات طوال.
6 ـ إنّ ادّعاءه وادّعاء المتملّقين له بأنّ القناة ستوفّر فرص عمل للبنانيين هو حجّة كاذبة لأنّ توظيف 300 شخص لن يحلّ مشكلة التوظيف في لبنان بل إنّ أغلب فريق عمل القناة تمّ اختياره ويتمّ توظيفه عبر قوى سياسية وأبواق إعلاميّة معادية للمقاومة تلتزم بسياسات الإعلام العبري.
إضافة إلى ذلك ثمّة تساؤلات كثيرة تجعلنا نطرح المزيد من الأسئلة حول اختياره لبنان تحديداً للاستثمار فيها في ظلّ فرض عقوباتٍ أميركيّة ومقاطعة عربيّة له كان لدولة الإمارات التي يحمل الحبتور جنسيّتها الدور الأوّل في تلك المقاطعة من خلال إغلاق سفارتها وتحذير رعاياها من العودة إلى لبنان، ومع ذلك يُصرّ الحبتور على اختيار لبنان مركزاً لفضائيته رغم تأكيده بأنّه لا يبحث عن مكسبّ مادي من إطلاق القناة التلفزيونيّة، وفقاً لتصريحاته التي أشار فيها إلى أنّ هوية القناة مصمّمة لتلهم وتحفّز شباب لبنان والعالم، وتشجعهم على اعتناق الإيجابيّة وملاحقة أحلامهم.
خلف الحبتور الذي تميّزه علاقاته الإيجابيّة مع كيان العدو الاسرائيلي وأكبر الداعين والمقاتلين من أجل التطبيع مع الكيان الصّهيوني على كافّة المستويات السياسيّة والاقتصاديّة والإعلاميّة، ووفقاً للقاء أجرته معه مجلة “عامي ماغازين” الأسبوعيّة الناطقة باسم الجالية اليهوديّة في الولايات المتحدة الأميركية ونشرته وزارة الخارجيّة الإسرائيلية دعا فيها “دول الخليج إلى التّطبيع مع كيان العدو مؤكّداً أنّ العرب واليهود هم أبناء عمومة وأنّه من الغباء أن يتقاتلوا… وهو يريد أن تكون علاقات الإمارات مع إسرائيل مفتوحة وأن يكون بإمكان كلّ منهما الاستفادة سياسيّاً واقتصادياً من تلك العلاقات”
ذلك هو رجل الأعمال الإماراتي خلف الحبتور القادم للاستثمار في لبنان. والذي صفّق له بعض المتملّقين وأصحاب المصالح الذين يدركون أنّ الحبتور جاء ليستثمر بدماء اللبنانيّين وهو يبحث عن مجنّدين لمشروعه التّطبيعي مع العدوّ لا عن إعلاميين. فمن يتحمّل مسؤوليّة افتتاح قناة ليست سوى منبراً للتطبيع مع العدوّ الذي احتلّ لبنان ولا يزال يشنّ عدوانه عليه؟ ومن يتحمّل مسؤولية إثارة الفتن والنعرات الطائفيّة والمذهبيّة؟ ومن سيتجرّأ على سؤال الحبتور عن مشروعه في التطبيع مع العدوّ أو يحاكمه من أولئك المدّعين للسّيادة؟