الاحتجاجات الطالبية في الجامعات الأميركية… تأثيرات وتغييرات
} د. حسن مرهج*
لا شك بأنّ الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأميركية، أثارات اهتماماً غير مسبوق على مستوى العالم، خاصة أنّ لهذه الاحتجاجات قدرة على إجبار الإدارة الأميركية على تغيير سياساتها، وهنا يتجلّى المثال الفيتنامي بقوة، وقدرة احتجاجات الطلاب في الجامعات الأميركية، على إجبار واشنطن على الانسحاب من فيتنام، تحت ضغط شعبي…
اليوم قد يعيد التاريخ نفسه لكن ضمن سياق مختلف. هو سياق بات مُفجعاً للكثيرين حول العالم، خاصة مع استمرار الحرب في غزة، وتأثيرات هذه الحرب على الفلسطينيين، عطفاً على المخاوف من امتداد هذه الحرب إلى الإقليم.
ودون الغوص في تأثير الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأميركية، إلا أنّ الولايات المتحدة التي تتشدّق بضرورة احترام حقوق الإنسان، والسماح للشعوب بالتعبير عن رأيها، إلا أنّ هذه الشعارات حين تصل إلى الولايات المتحدة، فـ يجب التدخل الفوري ووضع حدّ لحركة الاحتجاجات، ومع اتساع دائرة الاحتجاجات وتمدّدها إلى نخبة الجامعات الأميركية، كان لا بدّ من تشويه هذه التحركات، ولم تجد الإدارة الأميركية سوى الوسائل القمعية للسيطرة على الاحتجاجات، عبر إخافة الطالبات والطلاب إنْ بالفصل من الدراسة أو الإبعاد عن قاعات الدرس أو التوقيف المؤقت.
الوسائل القمعية التي استخدمتها الشرطة الأميركية، كانت سبباً في تزايد حركة الاحتجاجات، والأهمّ أنّ بعض الجامعات الأميركية قامت باستدعاء أعضاء من هيئات التدريس للتضامن مع الجسم الطلابي وللدفاع عن الحقوق المهدورة للمفصولين والموقوفين وللانتصار للحق السلمي في التعبير عن الرأي، وأن تظهر للرأي العام في الولايات المتحدة وخارجها عدالة وإنسانية الحركة الاحتجاجية، التي تطالب بإيقاف الحرب في غزة، مقابل رجعية الإدارات الجامعية التي تتنكر للحق في التعبير عن الرأي وتعاقب الطلاب على ممارسة الحرية بسلمية.
الواضح من سياق الحركة الاحتجاجية في الجامعات الأميركية، وحتى بعض الجامعات الأوروبية، أن الرأي العام أماط اللثام عن عدم تأييد التوجهات الأميركية والأوروبية في ما يتعلق بالحرب على غزة، خاصة أنّ الشعارات التي رُفعت من قبل الطلاب طالبت صراحة بعدم إمداد «إسرائيل» بالسلاح والمال، ولا بدّ أن تكون الدبلوماسية الأميركية والغربية مُنصفة تجاه الشعب الفلسطيني وما يعانيه، وفي المقابل فإنّ صمت الولايات المتحدة وأوروبا الطويل على استمرار الحرب، يُعرّي ما يُرفع من شعارات أميركية وغربية كاذبة، حيال حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية من المضمون.
لا شك بأنّ الاحتجاجات الطلابية داخل الولايات المتحدة تُدلّل بشكل واضح، على أنّ سياسات وممارسات الحكومات في الغرب ليست محلّ تأييد عام من المجتمعات التي ينتفض بها البعض لإيقاف الحرب في غزة، وضرورة مقاومة الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني، والمدعوم أميركياً وأوروبياً، وللربط بين النضال العادل والسلمي من أجل فلسطين، وبين النضالات العادلة والسلمية لإقرار حقوق المهمّشين والمقهورين، وفي الانتفاضات الطلابية وحركات النضال في المجتمعات الغربية فرصة لها لضبط بوصلة تطورها، وفرصة للجنوب العالمي في الامتناع عن اختزال الولايات المتحدة وأوروبا في الحكومات والنخب السياسية، وبالتالي فإنّ لهذه الاحتجاجات قدرة وفاعلية للتأثير على القرار السياسي الذي تتخذه الولايات المتحدة وضمناً الدول الأوروبية، ليس فقط حيال فلسطين، بل في مجمل ملفات المنطقة، وهذا ما يؤكد بأنّ مسار الاحتجاجات سيزداد خلال الفترة المقبلة، ومن المحتمل أن ترضخ إدارة بايدن لمطالب الطلاب المحتجين، خاصة أنّ تلك الاحتجاجات ستشكل علامة فارقة في سياق الانتخابات الرئاسية المقبلة في أميركا.
*خبير الشؤون السورية والشرق أوسطية.