استطلاعات الرأي في الحرب وقراراتها: نقطة تحول!
لأن الحرب تنتهي بنصر أو هزيمة في عقول الشعوب، فهي حرب على الوعي، وحرب الرواية جزء مؤسس فيها، ولذلك تهتمّ الجهات المنخرطة في الحروب والمعنيّة بمساراتها وقراراتها بقياس نظرة الشعوب إليها، ودرجة تغيّر اتجاهات الرأي العام على إيقاعها. وهذه هي وظيفة استطلاعات الرأي الحقيقية، غير تلك المصنعة غب الطلب لتزوير هذه الاتجاهات الحقيقية من ضمن لعبة الدعاية القائمة على البروباغندا، والتي يقوم أصحابها ولو في السر بالبحث عن استطلاعات رأي ذات مصداقيّة للبناء عليها في حرب الدعاية ومحاولة التأثير على نتائجها.
منذ الأيام الأولى للحرب مُني الغرب الداعم لكيان الاحتلال، ومعه الكيان بهزيمة كبرى في حرب الوعي مع ظهور التبدل الكبير في اتجاه الرأي العام الغربي للتعامل مع الرواية الفلسطينية للحرب، والذي تحوّل لاحقاً الى تبنٍّ لهذه الرواية والانتقال الى مربع جديد في بناء الوعي حول أصل الحق وتاريخ الصراع، ولذلك كان مؤشراً مهماً ما حملته استطلاعات الرأي في أميركا عن تأييد 55% من الأميركيين و70% من ناخبي الحزب الديمقراطي لوقف الحرب ولدور أميركي فاعل في وقفها، وفقاً لاستطلاع رأي أجرته شركة غالوب. وجاء الأهم في تأييد 51% من الشباب الأميركي لحل جذري يقوم على إعادة فلسطين من البحر الى النهر إلى الفلسطينيين كأصحاب بلاد أصليين، مستعدّين للموت من أجل وطنهم، واعتبار زوال “إسرائيل” مخرجاً مناسباً مع عودة المستوطنين إلى البلاد التي هاجروا منها إلى فلسطين، كما قال استطلاع رأي لافت أجرته جامعة هارفارد بالتعاون مع شركة هاريس.
بين الفلسطينيين كانت استطلاعات الرأي التي تُجريها مؤسسة البحوث الفلسطينية السياسية والمسحيّة بالتعاون مع مؤسسة كونراد أديناور الألمانية، تؤكد عبر نتائجها ومقارناتها للنتائج الفصلية قبل طوفان الأقصى ونهاية العام ونهاية شهر آذار، ارتفاع مضطرد للتأييد لحركة حماس، وتمسك أعلى باعتبار قرار عملية طوفان الأقصى صائباً، ورفضاً لكل بدائل إدارة قطاع غزة المتداولة لإقصاء حماس، والنسبة الثابتة لتأييد حركة حماس في الضفة الغربية وقطاع غزة لم تنخفض عن الثلثين (67%).
داخل كيان الاحتلال وبين مستوطنيه، رغم حركات الاحتجاج ووجود معارضة سياسية داخل الحكومة وخارجها، بقيت الغالبية مؤيدة لخيار الحرب، بينما كان تأييد رئيس حكومة الاحتلال قد انخفض الى 38%، وتحرّك مؤيدو الحرب نزولاً من 94% بعد الطوفان إلى 74% نهاية العام الى 57% منتصف شهر آذار. وكان هذا كافياً لتفسير الفتور الأميركي في الضغط على حكومة بنيامين نتنياهو، وكذلك لتفسير مواقف المعارضة المؤيدة للحرب، وخصوصاً لتفسير المواقف التصعيدية لنتنياهو التي لا تتناسب مع وقائع الميدان.
تعتبر أولى نتائج موافقة حماس على المقترح الخاص باتفاق غزة، النتيجة الجديدة والهامة التي قالتها استطلاعات رأي صحيفة معاريف بسؤال عن الاختيار بين أولويتين، تبادل الأسرى ووقف الحرب، أو المضي بالحرب والتضحية بالصفقة، فقال 54% إنهم يؤيدون الصفقة ولا يرون المضي بالحرب أولوية، بينما قال 38% فقط إنهم لا يزالون يرون أن المضي في الحرب أولوية، وهي بالمناسبة النسبة ذاتها التي يحافظ عليها تأييد بقاء نتنياهو رئيساً للحكومة.
هذا التحول الكبير سوف ينعكس أميركياً وإسرائيلياً، لو كان الأمر مجرد اعتماد قواعد وأصول السياسة والحرب، فكيف عندما تكون رأس كل من بايدن ونتنياهو قد تحوّلت إلى صندوقة انتخابات؟
التعليق السياسي