الحراكُ السياسيّ يتواصل لتطويق الهبة الأوروبيّة «الوطنيّ الحرّ» يعوّل من عين التينة على الإجماع الوطنيّ ومناصروه إلى الشارع وبكركي تُعدُّ «وثيقةَ موقف» حولَ النازحين ودعوات للتنسيق مع سورية
تواصلت الحركة السياسيّة في أكثر من إتجاه، لإيجاد الحلول لملفّ النازحين السوريين في لبنان. وحطّت أمس التحرّكات في عين التينة وبكركي ورافقها حراكٌ ضاغط في الشارع لمناصري «التيّار الوطنيّ الحرّ» لتطويق الهبة الماليّة الأوروبيّة الملغومة.
وفي هذا السياق، التقى رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي في مقرّ الرئاسة الثانية في عين التينة، وفداً من «تكتُّل لبنان القوي» ضمّ النوّاب: سليم عون، سيزار أبي خليل، نقولا صحناوي، سامر التوم وجورج عطا الله. وجرى عرضٌ لآخر المستجدّات السياسيّة وملفّ النازحين السوريين وشؤوناً تشريعيّة.
وبعد اللقاء الذي استمرَّ زهاء ساعة تحدّث عون عن الرئيس برّي قائلاً «وجدنا أنفسَنا بما عبرَّ عنه هو نفسُه ما كنّا نودُّ التعبيرَ عنه»، مُضيفاً أنّه «عندما نريد أن نتناولَ موضوع النازحين السوريين يجب ألاّ نتناول أيّ أمرٍ آخر خصوصاً الموضوع الماليّ قبل أن نعرفَ ما هو الهدفُ المحدّد، فالهدف هو عودة النازحين. فعلينا أن ننظر إلى هذا الموضوع وإلى أينَ سيؤدّي، هل يؤدّي إلى عودة النازحين؟ وإذا كان الهدف عودتهم نكونُ على الطريق الصحيح».
ورأى أنَّ المالَ على أهميّته يجبُ أن يكونَ وسيلةً للعودة ولكن على الإطلاق يجب ألاّ يكون هو الهدف أو إذا اخذنا حتى حسن النية يجب ألاّ يكون عاملاً تخديريّاً لإطالة وجود النازحين فالوقت الذي لا نعطيه أيّ قيمة منذ 13 عاماً وإذا أضفنا عليهم 4 سنوات سيتفاقمُ الوضعُ أكثر. سيكون العدد قد ازداد والجميع يعرف نسبة الولادات من جهة إضافةً إلى النزوح الجديد نتيجة فتح الحدود وعدم ضبطها من جهة ثانية وذلك يُفاقم الأزمة».
وتابعَ «هذا الموضوع يجب ألاّ يكون موضوعاً خلافيّاً بين اللبنانيين ونشكرُ اللهَ أنّه أصبحَ هناك إجماعاً بين اللبنانيين أقلّه علنيّاً ودولة الرئيس برّي يؤيّد ويقول إنَّ هذا الإجماع هو عامل قوّة، صحيح هذا العامل وحده لا يكفي لكنّه ضروريّ، نحن ننطلق من وحدة الموقف اللبنانيّ لكي نعودَ لنطالبَ المعنيين ولمصلحتهم التي تحقق مصلحة اللبنانيين أولاً ومصلحة السوريين للعودة إلى بلدهم ومصلحة الأوروبيين الذين لا يُمكن أن يقدّموا لنا حلولاً هي لمصلحتهم وتُضرُّ بمصلحتنا».
واعتبرَ أنّ «الوضعَ حسّاسٌ جدّاً ودقيقٌ ومن غير الجائز ترك عامل الوقت أن يغدرَ بنا»، مشيراً إلى «أنَّ موضوعَ المال وكيف سوف يُصرَف لم يعُد مهمّاً طالما أنّه لا يؤدّي إلى إعادة النازحين، لكن نودُّ أن نذكر من يتكلم الآن عن مبلغ المليار يورو، نقول له إنَّ التقاريرَ الرسميّة التي كنّا نستخدمُ فيها رقم 55 مليار دولار، اليوم هناك تقريرٌ يفيدُ بأنَّ لبنان تحمّل حتى الآن بحدود 100 مليار فكيف يحدثوننا بالمال ونحن كلبنانيين أنفقنا ما يُقارب 100 مليار يورو؟».
وأوضحَ «أنَّ الهدفَ من جولتنا، أن نسألَ ونستفسر لكي يكون موقفنا موضوعيّاً وليس صادراً عن نيّات أو «خبريّة»، مؤكّداً أنَّ «وحدتَنا اليوم هي الأساس والذي حال دون العودة في السابق هو القرارُ السياسيّ وهذا له شقان داخليّ وخارجيّ، ومن الجيّد أنَّ الشقَّ الداخليّ باتَ هناك أمل في حلِّه لكن يبقى الشقّ الخارجيّ».
وردّاً على سؤال حول مصير الهبة ومشاركة التيّار في الجلسة التشريعيّة؟ أجاب عون «الجلسة التشريعيّة سنُشارك فيها وسنخرجُ بتوصية لا أريدُ أن أستبقَ ما هي هذه التوصية لكن من ضمن الروحيّة التي نتحدّثُ بها لا يهمّنا المال إذا كان الوضع سوف يمتدّ إلى أربع سنوات أخرى علينا أن نبحث كيف يجب أن يكون المال لعودة النازحين وكما قال الرئيس برّي، لماذا نُريد أن ندفعَ أكثر مما دفعنا نحن لا نريد مالاً. المال هو وسيلة ضروريّة للعودة ولكن ليس لتخديرنا عن المطالبة بعدمِ العودة».
وأكّد ردّاً على سؤال، أنّ البحثَ تطرّق إلى موضوع رئاسة الجمهوريّة، معتبراً أنّه «لا يُمكنُ أن نتحدّث في هكذا موضوع مهمّ وحسّاس من دون أن نتطرَّق إلى موضوع رئاسة الجمهوريّة، فضبطُ الحدود لايُمكن أن يحصل من جهة واحدة وأيُّ دولة تُريد ضبط حدودها يجب أن تكون متعاونة مع الدولة المجاورة، فكيف يُمكن أن نحلَّ مشكلة الحدود والنازحين من دون التعاطي مع الحكومة السوريّة؟ هل ننتظر كلّ دول العالم وبعد أن بدأت كلّ الدول العربيّة بتجديد علاقتها مع سورية وباقي دول العالم شئنا أم أبينا، سوف تسوّي علاقتها مع الدولة السوريّة، هل ننتظر كلّ هذه الدول لتأمين مصالحها حتى نصبحَ قادرين على تأمين مصلحتنا؟».
من جهّته، نظّمَ «المركزُ المارونيُّ للتوثيق والأبحاث»، برعاية البطريرك المارونيّ الكاردينال بشارة الراعي وحضوره، وبرئاسة المطران سمير مظلوم، اجتماعَ «طاولة مستديرة» في موضوع النازحين السوريين في لبنان، بعد ظهر أمس في بكركي.
وحضرَ الاجتماع وزير الداخليّة والبلديّات في حكومة تصريف الأعمال بسام المولوي ممثّلاً رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الوزراء في حكومة تصريف الأعمال: الخارجيّة عبد الله بوحبيب، العدل هنري الخوري، التربية والتعليم العالي عبّاس الحلبي، الشؤون الاجتماعيّة هكتور الحجار وشؤون المهجّرين عصام شرف الدين، قائد الجيش العماد جوزاف عون، المدير العام للأمن العام بالإنابة إلياس البيسري، المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا، ومحافظو الشمال وعكّار وبعلبك الهرمل وزحلة والبقاع وممثّلون عن مركزيّ الأبحاث «ستاتيستيكس ليبانون» و»الدوليّة للمعلومات» ورؤساء وأعضاء اللجان الإستراتيجيّة والقانونيّة والسياسية والتربويّة في «المركز».
وأفاد المركز بأنَّ «هذا الاجتماع المغلَق خُصِّص للقاء غبطة البطريرك وأعضاء لجان المركز للاستماع والتباحث مع عددٍ من الوزراء المختصين والمحافظين وقائد الجيش والمديرين العامين المدنيين والأمنيين في الدولة اللبنانيّة، ويُتوقّع أن يلي هذا الاجتماع لقاءٌ ثانٍ مع منظّمات الأمم المتحدة المختصّة وعدد من سفراء منظّمات ودول مؤثّرة، تمهيداً لإصدار «وثيقة موقف» من بكركي في موضوع النازحين السوريين في لبنان وسُبل عودتهم الكريمة إلى ديارهم».
وأشارَ إلى أنَّ «المناقشات تطرّقت وفقَ البرنامج المحدَّد إلى ثلاثة محاور رئيسة: أولاً، عرض الوقائع والأرقام في الديموغرافيا، والمخاطر والأعباء الاقتصاديّة والاجتماعيّة؛ ثانياً، خطط عودة النازحين إلى سورية والعوائق وسُبل تجاوزها، وثالثاً، التدابير المرحليّة لإدارة النزوح السوريّ في مختلف المجالات».
وبالتزامن، تجمّعَ مناصرو «التيّار الوطنيّ الحرّ» في «ساحة جبران خليل جبران» المواجِهة لمبنى «إسكوا» وذلك في إطارِ تحرّكٍ احتجاجي بشأن النازحين السوريين، وسطَ انتشارٍ أمنيّ.
ورفع المشاركون الأعلام اللبنانيّة وأعلام التيّار ووزّعوا شيكاً رمزيّاً بقيمة 14 ألف ليرة هي حصّة كلّ لبنانيّ من هبة الاتحاد الأوروبيّ المفترَضة.
في المقابل، وزّعَت بعثة الاتحاد الأوروبيّ في لبنان كلمةَ سفيرة الاتحاد ساندرا دو وال بمناسبة «يوم أوروبا»، جدّدت فيها الحديث عن الهبة الماليّة الأوروبيّة، معتبرةً أنّ «هذه الحزمة الجديدة هي التزام سياسيّ بأنَّ الاتحاد الأوروبيّ سيقدّم دعماً ماليّاً محدّداً مسبقاً للبنان حتى عام 2027. وستسمحُ لنا الحزمة بمواصلة تمويل القطاعات الرئيسة مثل الحماية الاجتماعيّة والصحّة والمياه والتعليم، ودعم الحكومة في توفير الخدمات الأساسيّة للفئات الأكثر ضعفاً في البلاد. ولا يشملُ هذا اللاجئين السوريين فحسب، بل أيضاً العديد من اللبنانيين الذين يستفيدون من برامج المساعدة الاجتماعيّة المموّلة من الاتحاد الأوروبيّ».
وأعلنت «أنّنا سنستثمرُ بشكل أكبر في المسارات القانونيّة للاجئين، حتى يتمكنوا من العثور على فرص عمل في أوروبا. ولهذا السبب، سنواصل إعادة توطين اللاجئين من لبنان إلى أوروبا للمساعدة في تخفيف العبء»، مشيرةً إلى أنّه «خلال الأشهر المقبلة، سنعمل أيضاً مع مفوضية اللاجئين لتطوير نهج أكثر تنظيماً للعودة الطوعيّة إلى سورية. كما نتطلّع إلى العمل مع شركائنا اللبنانيين لإيجاد حلٍّ لهذه المسألة. ونحنُ نفهم مدى أهميّة هذا الأمر. ومع ذلك، يتعيَّن علينا جميعاً أن نكون واقعيين بالإقرار بأنَّ هذه العملية ستستغرقُ وقتاً. وستتطلّبُ تعاون المزيد من الأطراف، إلى جانب لبنان وأوروبا».
إلى ذلك، وجّه المفتي الجعفريّ الممتاز الشيخ أحمد قبلان رسالة بشأن النزوح، اعتبرَ فيها أنَّ هذه القضيّة هي «قضية حياة أو موت، ولعبة الإغراق بدأت دوليّة إقليمية وما زالت محبوكة دوليّاً بشدّة»، معتبراً أنَّ «المحسوم هو أنَّ النزوحَ اقتصاديّ وواقع سورية الأمنيّ ممتاز في الأغلب المطلق، ولا بدّ من ترحيل النزوح الاقتصاديّ وتنظيمه وفقاً للمصالح الوطنيّة وطبقاً للمصالح المشتركة بين بيروت ودمشق».
ورأى أنّ «قصّة حارس البحر ولعبة العبوديّة لأوروبا يجب أن ننتهي منها فوراً، وأوروبا والعالم لا يفهمان إلاّ لغة فتح البحر (…) والضرورة الوطنيّة تقضي ببدء تنظيم الخلاص من النزوح ومباشرته فوراً، وهذا يلزم الدولة والقضاء والأجهزة المختلفة بملاحقة كارتيل السماسرة وبعض السياسيين والاقتصاديين الكبار»، لافتاً إلى أنَّ «قضيّة الترحيل يجب أن تكون على رأس القائمة والسكوت عن الفظاعات التي يرتكبها النزوح يهدّد أصل وجود لبنان، والتنسيق مع دمشق ضرورة للبنان وسورية».
وأكّدَ أنَّ «القرارَ السياسيّ مُطالَب بتنفيذ مشروع وطنيّ ما بين بيروت ودمشق للخلاص الفعليّ من النزوح بعيداً من إملاءات بروكسل وواشنطن».