أولى

نتنياهو يتحدّى الغرب والشرق ويقتحم رفح !

د. عدنان منصور*

مَن كان يتصوّر يوماً المأزق الكارثي الذي سيصل إليه الكيان «الإسرائيلي» ورئيس وزرائه بنيامين نتنياهو، بعد عربدة عسكرية وحروب متنقلة على مدى عقود، كانت النهج المتواصل لدولة الاحتلال في اعتداءاتها على الجبهات العربية، لتغيير معادلات جيو ـ سياسية على الأرض، ومن ثم فرض الأمر الواقع السياسي والعسكري «الإسرائيلي» على أكثر من طرف عربي بما يخدم مصالحه وأهدافه التوسعية!
من كان من قادة العدو يتوقع، سياسيين كانوا، أو عسكريين، أو إعلاميين او أحزاباً، أنّ جيشهم ودولتهم ستذلّ على أرض فلسطين ولبنان؟! من كان يتصوّر أنّ جيشاً هو واحد من أقوى الجيوش في الشرق الأوسط، سيمرغ أنفه في تراب غزة وشمال فلسطين؟! مَن كان يتصوّر انّ مقاومين في فلسطين ولبنان قصموا ظهر الجيش الذي لا يُقهر، وزلزلوا كيانه وهم يقارعون دولة العدوان منذ سبعة أشهر، على الرغم من الإمدادات العسكرية الهائلة، المتواصلة التي تزوّده بها دولة الاستبداد العظمى وحلفاؤها في أوروبا؟! من كان يتوقع انّ المقاومة في فلسطين ولبنان ستمزق الداخل «الإسرائيلي»، وتجعل المؤسسة العسكرية
والسياسية تتخبّط في داخلها، تفقد صوابها، وتفقد ثقة «الإسرائيليين» بدولتهم واستمراريتها، فيما جزء كبير منهم يستعدّ للرحيل نهائياً عن «أرض الميعاد»؟!
هل كان «فوهرر» تل أبيب نتنياهو وطغمته السياسية والعسكرية، يضع في حساباته أنّ «إسرائيل» ستتعب، ولن تتعب المقاومة في فلسطين والمنطقة، مهما كان الثمن، ومهما ارتكب جيش الإرهاب من الإبادة الجماعية وجرائم الحرب؟!
على مدى 75 عاماً، عملت «إسرائيل» المستحيل على إخماد جذوة المقاومة في فلسطين، وطيّ صفحة قضيتها للأبد، مراهنة على الوقت، والحليف الأكبر المستبدّ، وعلى الصعاليك من عملاء، ومرتزقة، ومأمورين، ومأجورين في المنطقة، ظناً منها أنّ هؤلاء جميعاً سيحمونها وينصّبونها سيدة على المنطقة كلها، فإذا بحرب نتنياهو على غزة تقلب كلّ المعادلات والمقاييس، لتعيد وهج القضية الفلسطينية من جديد، ليس على أرض فلسطين المحتلة، وإنما على مساحة العالم كله.
هل كان مجرم الحرب ينتظر النتيجة التي وصل اليها، وهو الذي كان يحذر، يتوعّد ويهدّد، فإذا به يجد نفسه في مستنقع قذر لا يعرف كيفية الخروج منه، إلا بالمزيد من التدمير والقتل الجماعي؟! هو لا يريد ان يقرّ أن لا قوة على هذه الأرض تستطيع ان تختزل فلسطين وشعبها الأسطوري، أو تقضي على روح مقاومته، ولو هدم جيش الاحتلال القطاع بكامله، وارتكب مزيداً من الجرائم والإبادة الجماعية بحق آلاف الفلسطينيين في رفح يراهن نتنياهو على «النصر» الذي سينقذه من المستنقع، ويخرجه من ملفات الفساد الدسمة، ومن حكم القضاء الذي سيقضي على حياته السياسية. لذلك يرى في اقتحامه لرفح فرصته الأخيرة، وإنْ كانت على حساب كلّ شيء. هو منافق ومراوغ، لا يريد وقفاً دائماً لإطلاق النار، ولا تحرير أسراه، لأنّ أيّ تبادل للأسرى، وأيّ وقف دائم لإطلاق النار، وانسحاب كامل من قطاع غزة، يعني هزيمة مدوية له ولكيانه، ونصراً أكيداً للمقاومة، رغم ثقل الدمار، وارتقاء آلاف الشهداء الفلسطينيين.
رفح هي الورقة الأخيرة بيد نتنياهو ومجلس الحرب. وقد قالها بوضوح، باتفاق او دون اتفاق مع حماس سندخل رفح. لأنّ رفح بالنسبة للقطاع تجمع في آن معاً السياسة والجغرافيا، والمقاومة، والخزان البشري، وشريان الحياة لأبناء القطاع، والمعبر الذي له ترتيباته الدولية تستغلها «إسرائيل» لصالحها!
كيف يمكن لمجرم الحرب وطغمته العسكرية، أن يتراجع عن احتلال رفح، فيما كيان «إسرائيل» الذي تأسّس على القوة والاحتلال، وتضليل الرأي العام العالمي بدأ يترنّح، ويلفظ أنفاسه؟! فالدولة التي لا تُقهر، قُهرت على كلّ الجبهات، والدولة التي ضلّلت العالم، وروّجت لنفسها على أنها واحة للحرية والديمقراطية، كشف العالم زيفها، وبدأ يعرف حقيقتها الإجرامية الدامغة، حيث يرى فيها ساحة خصبة للعنصرية، والكراهية، والحقد، وإرهاب الدولة، والإبادة الجماعية والتطهير العرقي.
نتنياهو لا يريد حلاً، إنما يبحث عن «انتصار» بأيّ شكل من الأشكال، في غزة وبعد ذلك في لبنان، وإن كان انتصاراً هزيلاً فولكلورياً، ليظرف صورته أمام العالم وأمام المستوطنين الإسرائيليين، ويخرج بمعادلة تنقذ وضعه المنهار.
كلما غاصت قدما نتنياهو في تراب غزة، يُصرّ على الذهاب بعيداً في عدوانه. إنه يذكرنا بهتلر ألمانيا، الذي بعد ثلاث سنوات من حربه، بدأت قدماه تغوصان في ميادين القتال في أوروبا، ومع ذلك، استمر بعنجهيته، وجنونه، وعناده، حتى النهاية في حربه المدمرة، فيما هو يخسر معاركه شهراً بعد شهر، الى ان وجد نهايته الوخيمة في البونكر، لتطوى بذلك، صفحة سوداء من تاريخه وتاريخ ألمانيا النازية.
«فوهرر إسرائيل» في تعاطيه مع الفلسطينيين، أشبه
بتعاطي هتلر ألمانيا مع اليهود، كلاهما وجهان لسلوك واحد من الإجرام، والعنصرية والكراهية .
ألم يقل رئيس الكنيست الأسبق ابراهام بورغ في كتابه «لنهزم هتلر»، (Vaincre Hitler)»أنّ هتلر اعتبر انّ الحرب معركة مصير للشعب الألماني، وانها حياة او موت للألمان الذين يتوجّب عليهم إزالة أعدائهم». ويقول بورغ: «إسرائيل وقعت في نفس الفخ الذي وقع فيه هتلر، في اعتقادنا نحن، أننا طيبون، وغيرنا الأعداء، حتى انّ جيشنا الأكثر جيوش العالم هجومية، يحمل اسم جيش الدفاع الإسرائيلي»… ويقول بورغ: «إسرائيل» بقيَت أسيرة ماضيها الدموي والدرامي، حوّلنا المحرقة الى جزء من حياتنا لا ننساها… وحوّلناها الى حجة ومحرك لكلّ عمل، مقابل المحرقة أصبح كلّ ما ليس له معنى او باطل مقبولاً: قتل، حواجز، تطويق، معسكرات… نحن نقلنا غضبنا ورغبتنا في الانتقام على شعب آخر، وعدو آخر. قبلنا ان نعيش بسلام مع الجلادين الألمان، وجعلنا العرب مكانهم لنفرع عدوانيتنا عليهم… ذهبنا الى الأمام مع الألمان والتعويضات، لكن في الوقت نفسه لم نتوقف عن غيظنا وضغينتنا حيال العرب… انّ الحرب لم تعد استثناء لنا، بل أصبحت قانوناً، طريقة عيشنا طريقة حرب مقابل الجميع… إنّ الإسرائيليين لا يفهمون إلا لغة القوة، هذه العقلية تعكس العنجهية الإسرائيلية في وجه الهزائم العربية»!.
ها هو «فوهرر إسرائيل» ومجرم حربها، المتعطش للدماء، يسلك الدرب ذاته الذي سلكه فوهرر ألمانيا النازية، لن يكون مصيره ومصير دولته أفضل من مصير هتلر ونظامه النازي العنصري.
قواسم مشتركة تجمع عقلية «فوهرر إسرائيل» وفوهرر ألمانيا: العنجهية، الحروب، العنصرية، التفوّق الاثني،
الإبادة الجماعية، التهجير، والتطهير العرقي.
هل سيختلف مصير «دولة إسرائيل» وفوهررها بنيامين نتنياهو عن مصير مجرم الحرب أدولف هتلر ونظامه النازي؟
غزة بكلّ ما فيها، برفحها، ومدنها ومخيماتها، ومقاومة شعبها الأسطوري، تبقى ملحمة الصمود والبطولات الخارقة، والإرادة الأقوى. رفح بانتظار نتنياهو وجيشه الإرهابي، لتكشف للعالم كله حقيقة دولة الإرهاب، وزيف أخلاقية وصدقية الإمبراطورية العظمى، ونفاق حلفائها الأوروبيين، المنحازين والداعمين بالمطلق لـ «إسرائيل»، يعطون الضوء الأخضر لنتنياهو بالاستمرار في حملة الإبادة الجماعية، وتطهير القطاع، والقضاء على المقاومة فيه.
رفح اليوم تقاوم، تواجه بكل قوة كيان الاحتلال وداعميه، تعمّق قاع مستنقعه، تستميت في الدفاع عن شعبها وعن الأمة وكرامتها، لإبعاد شبح النكبة الكبرى عنها، في وقت عز في الأمة الرجال والكرامة!
تاريخ جديد يسطره الفلسطينيون لا رجوع عنه: إما النصر وإما الشهادة، وكلاهما سيرسّخان وجود الفلسطينيين وحقهم الطبيعي في فلسطين وبين الأمم مهما طال عمر الاحتلال.
ما كان مجرم الحرب ليقتحم رفح، لولا التواطؤ الخبيث ودعم الغرب المتمثل بواشنطن وأذنابها في المنطقة. دعم سيدفع به بعد رفح إلى توسيع نطاق مساحة عدوانه على لبنان، رغم التطمينات والإشارات الإيجابية الشكلية الصادرة عن دوائر صنع القرار باتجاه لبنان.
عدوان «إسرائيل» الواسع والمنتظر على لبنان، يرى فيه نتنياهو مخرجاً له، وإن كان لا يستطيع أحد منذ الآن رسم مساحة رقعته، أو مدى انتشار شظاياه!
الأيام المقبلة حبلى بالمفاجآت، فلننتظر المقبل منها !

*وزير الخارجية والمغتربين الأسبق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى