بين السيد ونتنياهو: معادلة النصر والألم
ناصر قنديل
– يمكن القول بطريقة ما إن هذه الحرب الدائرة على عدة جبهات بين محور المقاومة وفي قلبه المقاومة الفلسطينية وشعبها في غزة، من جهة، وكيان الاحتلال، ومن خلفه الدعم الأميركي والغربي اللامتناهي من جهة موازية، هي منازلة في الخطاب السياسي بين بنيامين نتنياهو بصفته الرمز الذي يقود الحرب، ويحكم بخطواته ومواقفه الكثير من خطوات جيشه وقادة الكيان وتالياً الموقف الأميركي واستطرادا الغربي، ومقابله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، الذي يؤمن بأن القيادة هي للمقاومة في فلسطين، وخصوصاً في غزة وبالأخص لحركة حماس، سواء في الميدان أو في المفاوضات، لكنه بحكم خصوصية لبنان كمنصة إعلامية وخصوصية تجربة المقاومة في لبنان وانتصاراتها ومقدار قوتها وما يترتب على الخطوات التي تتخذها في رفع منسوب التصعيد في جبهات القتال، صار بعيون أعداء المقاومة، في الكيان والغرب معاً، وبرضا حلفائه وفي مقدمتهم المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس، يحتلّ موقع المتحدّث بلسان محور المقاومة، تحليلاً وتنظيراً وفي رسم المعادلات.
– تسنّى أمس للعالم بصورة نادرة الحدوث أن يستمع في توقيت متقارب لكل من نتنياهو والسيد نصرالله يتحدّثان، وكان محور الحديثين معادلة النصر والألم والتضحيات، وكانت مناسبة لاستقراء معادلة القوة بين المحورين المتقابلين من الخطابين، خصوصاً أن نتنياهو قد استنفد موارد حربه المعنوية والمادية، وصار يستبسل لاستعادة بعضٍ مما فقده من موارد كانت متاحة بداية الحرب، سواء نسبة التفويض الداخلي للمضي بالحرب، أو نسبة قدرة الجيش على مواصلة خوضها، أو نسبة الدعم الخارجي ودرجة جرأتها في المجاهرة بهذا الدعم، وصولاً لموارد السلاح والذخيرة الآتية من الخارج في ظل ما تواجهه من دعوات للتقييد والمقاطعة، والتي تبين أنها عصب الحرب. ولذلك بدا نتنياهو واضحاً في سعيه المستميت للإقناع بأنه يحتاج الى المزيد من الدعم من الداخل والخارج معنوياً ومادياً لإكمال حربه، التي وصفها بالوجودية، معتبراً أن النصر فيها قضية حياة أو موت، معترفاً بحجم الآلام التي تسببها والأثمان الباهظة التي تترتب عليها، وهو غير واثق من أنه سوف يحصل على ما يطلب أو أنه سينجح بترميم ما تهالك.
– في كلمته بدا السيد نصرالله مرتاحاً لما راكمه محور المقاومة من مساندة متصاعدة في بيئته المحلية في كل الساحات الآخذة في الاتساع، وعلى مساحة العالم، حيث البيئات التي تتحرك في العالم تحت علم فلسطين هي بيئات حسبت لعقود بيئات مساندة بقوة لكيان الاحتلال، ومرتاح لما لدى محور المقاومة من مقدرات عسكرية، وهو لم يستخدم منها إلا القليل، وما على طاولته من خيارات إضافية لم يستثمرها بعد وهو قادر على ذلك عند الحاجة، ومرتاح أكثر لكون الخط البياني لما يجري قائم على معادلة مزيد من تراكم القوة المعنوية والمادية في خزائن محور المقاومة ومزيد من نفادها من خزائن الكيان. والمقاومة منتصرة كيفما سارت الحرب، إن توقفت فقد انتصرت المقاومة، وإن استمرت فسوف تنتصر المقاومة.
– الفارق واضح بين كلام نتنياهو عن سعي لتحقيق نصر ودعوة لتحمل التضحيات والآلام أملاً ببلوغ نصر كلما مر الزمن بدا أبعد وأكثر بعداً، وكلام السيد نصرالله عن نصر تحقق، تحقق بإعادة فرض القضية الفلسطينية على جدول أعمال العالم، وبصورة غير قابلة للتراجع، ونصر تحقق بكسر مهابة قدرة الردع لدى جيش الاحتلال بصورة غير قابلة للترميم. وعند هذين الجدارين الثابتين تسند المقاومة ظهرها، وتنتظر ماذا سيفعل الكيان العالق في معادلة العجز عن التقدم والعجز عن التراجع، وتنظر للتضحيات التي بذلتها وتلك التي قدّمتها شعوبها قياساً بحجم الإنجاز، وقياساً بالعقود التي مضت، بصفتها استثماراً للدم في مكانه الصحيح، سواء لرسم حقائق جديدة، منها كشف حقيقة الكيان وإثبات الحق الفلسطيني، أو لرسم معادلات جديدة منها الإمساك بزمام المبادرة في ملفات بدأت بمعادلة سيف القدس، تقصفون عمقنا ونحن نقصف عمقكم، مروراً بالطوفان وفق معادلة تعبرون ونحن أيضاً نعبر، وصولاً الى جبهة لبنان وفق معادلة أنتم تهجّروننا، ونحن نهجّركم، إلى جبهة اليمن ومعادلة تحاصرون ونحاصر، وانتهاء بالرد الإيراني، ومعادلة لكم حليف يتدخّل بقوة الردع وللمقاومة حليف يملك قدرة الردع أيضاً. الفارق بيننا صنعه وقوفنا على ضفة الحق والخير ووقوفكم على ضفة الباطل والشر، ولذلك لا مشكلة لدينا مع الوقت ونحن نراكم المزيد من أسباب قوتنا المادية والمعنوية، ونرى كيف أنكم تتخبّطون وتغرقون كل يوم أكثر في مأزقكم. أما أنتم فالوقت يقتلكم ويستنفد ما بقي لديكم كما استنفد خلال الشهور التي مضت من الحرب الكثير مما كان لديكم في بدايتها.