أولى

«النزوح» «قنبلة» موقوتة وتداعيات خطيرة… ماذا عن فتح البحار؟

‭}‬ محمّد حميّة

بعد عقدٍ ونيّف على أزمة النزوح السوري، استفاقت “الدولة” اللبنانية على الكارثة واستنفرت أجهزتها لمواجهة التداعيات بعدما تعمّقت الأزمة وتشعّبت وبات الحلّ أصعب. فهرع المجلس النيابي للاجتماع لمناقشة عاجلة، وبدّلت أحزاب سياسية مواقفها لضرورات المزايدة السياسية والشعبوية بعدما كانت لسنوات خلت جزءاً من مشروع الحرب على سورية والأزمة القائمة بكلّ تداعياتها.
لا بدّ من تحديد جذور الأزمة والأطراف المسؤولة:
*القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة والقوى الأوروبية وبعض القوى الإقليمية التي حاكت بالتكافل والتضامن مشروع الحرب على سورية ودمّرت الحجر وهجّرت البشر، وصنّعَت الأزمة، بشكل يمنع إنتاج الحلول. علاوة على إنشاء التحالف الدولي المزعوم لمكافحة الإرهاب وفرض نظام عقوبات أُحادي “قانون قيصر” على سورية الذي أرهق اقتصادها وأنهك مجتمعها واستنزف دولتها.
يُضاف إلى ذلك، الاحتلال الأميركي العسكري لشرق سورية حيث منابع النفط والغاز وحقول القمح التي تُشكل الموارد الرئيسية للدولة السورية التي يُمكِنها من حلّ نصف أزمتها الاقتصادية بحال انسحاب القوات الأميركية.
*المجتمع الدولي ونظام الأمم المتحدة بالتواطؤ لتمرير القرارات الأممية التي تُشرّع الحرب على سورية والصمت على نظام العقوبات الأميركية عليها والتمنع عن مساعدة الدولة السورية، مقابل تقديم المساعدات المالية والإغاثية للنازحين في الدول المضيفة.
*الاتحاد الأوروبي الذي يضغط بشكلٍ متواصل على الدولة اللبنانية وبعض مراجعها وأجهزتها الأمنية والقضائية لعدم ترحيل النازحين وتعطيل القوانين اللبنانية، لا سيما اتفاقية العام 2003 الموقعة بين المديرية العامة للأمن العام اللبناني والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين والتي تؤكد أن لبنان ليس بلد لجوء وإنما بلد عبور.
*مفوضية شؤون اللاجئين التي لعبت دوراً قذراً عبر توفير البيئة الآمنة والحاضنة لبقاء النازحين في لبنان. ووفق المعلومات فإنّ موظفين من المفوضية يشرفون على عمل الأجهزة الأمنية لجهة ترحيل النازحين عبر التحقق من الأسباب الموجبة للترحيل المحصور بالعابرين خلسة الى لبنان وارتكبوا جرائم.
*الدول الإقليمية التي طبّقت من دون اعتراض أو تحفظ قرار العقوبات الأميركية على سورية وإن بدأت السعي منذ سنوات على مدّ جسور التواصل مع دمشق.
*لن تمحو سنوات الحرب العجاف على سورية مواقف قوى 14 آذار الذين شاركوا بالمؤامرة على سورية، لوقوفهم إلى جانب تنظيمات المعارضة السورية المسلحة والتي أنتجت الحركات الإرهابية، وشجعوا النزوح وساهموا في إنتاج مجتمع الـ”أن جي أوز” لتعزيز بقاء النازحين على الأراضي اللبنانية، وواجهوا أي خطوة حكومية للتواصل الرسمي السياسي مع سورية.
تكشف الزيارات الخارجية الأخيرة للبنان لا سيما زيارة الرئيس القبرصي ورئيسة المفوضية الأوروبية التالي:
*لم تقارب جوهر الأزمة والأسباب التي أدّت الى النزوح وسبل معالجة تداعياته الخطيرة على لبنان.
*لا حلول جذرية لأزمة النزوح، ما يعني بألا قرار دولياً – أميركياً – أوروبياً تحديداً بإعادة النازحين الى سورية، بل اتخاذ إجراءات لإدارة الأزمة وإبر مخدّرة للدولة اللبنانية عبارة عن “رشاوى” مالية لإبقاء النازحين في لبنان لأربع سنوات إضافية.
*تجديد مفاعيل ما ورد في بيانات مؤتمرات “بروكسيل” للنازحين السابقة من توصيات بضرورة دمج النازحين في المجتمعات المضيفة لضرورات الحاجة الاقتصادية لا سيما في لبنان، وتلفت أوساط دبلوماسية مطلعة لـ”البناء” إلى أنّ بند إعادة النازحين إلى بلادهم ورد في آخر قائمة بنود مؤتمرات “بروكسيل”، والتي يتقدّمها “الحلّ السياسي في سورية”، ما يعني بما لا يرقى للشك ربط أزمة النزوح بالتسوية السياسية في سورية التي قد تأخذ سنوات طويلة.
مصادر معنية بالملف كشفت لـ”البناء” أن عدد النازحين السوريين في لبنان تزايد بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية، وبلغ وفق التقديرات أكثر من ثلاثة ملايين نازح سوري، من بينهم مليونا قاصرٍ أيّ ولدوا في لبنان ولا يعرفون شيئاً عن بلدهم الأم، ما يصعّب عودتهم الى لبنان الذي يشكل “جنّة” لهؤلاء في ظلّ الأمن الذي ينعمون به و”سلّة” التقديمات المالية والصحية والاجتماعية التي تُغدقها جمعيات الـ”أن جي أوز”.
وتشير المعلومات في هذا الصدد، الى أنّ الضغوط الدولية وتحديداً الأميركية – الأوروبية لا تزال مستمرة حتى الآن على الحكومة اللبنانية للحؤول دون أي شكل من التواصل السياسي الرسمي مع سورية، وقد جرى تعطيل أكثر من اتفاق داخل مجلس الوزراء في الأشهر الماضية على إرسال وفد حكومي سياسي رفيع الى سورية لمناقشة الملف مع المسؤولين السوريين. وتضيف أن الهدف إبقاء ملف النزوح ورقة ضغط وابتزاز للنظام في سورية ومساومته في الحل السياسي لانتزاع مكاسب وأثمان سياسية وأمنية وربما اقتصادية تتعلق بالخريطة الاقتصادية الجديدة للمنطقة التي يجري تشكيلها من رحم الحرب في غزة، كما وأداة ضغط أمنية واقتصادية على حزب الله والدولة اللبنانية وإحداث تغيير كبير في البنية الديموغراغية والطائفية والجغرافية اللبنانية بما ينسجم وطروحات التوطين وتهجير المسيحيين ودفعهم للمطالبة بـ”الفدرلة” والتقسيم وإشعال الفتن المذهبية لاحقاً بما يخدم هدف إعلان يهودية الدولة الإسرائيلية. ويرى المطلعون أن الحل الوحيد المتاح هو ما دعا إليه السيد حسن نصرالله: التواصل الرسمي مع الدولة السورية وفتح البحار أمام النازحين للعبور إلى أوروبا، واضعاً الكرة في ملعب رئيس الحكومة، لكنهم استبعدوا تجرؤ الدولة اللبنانية على اتخاذ قرار كهذا في ظل المصالح السياسية والمالية التي تربط بعض المراجع السياسية بأوروبا، إضافة الى حسابات وحساسية الأجهزة الأمنية، لا سيما قيادة الجيش اللبناني بهذا الخصوص.
ويؤكد مطلعون أنّ السلطات السورية أبدت لمن راجعها من الدولة اللبنانية، استعدادها للتعاون الى أقصى الحدود وفق ثلاثة أطر:
*التنسيق الرسمي والعلني بين الدولتين.
*خطة واضحة وموحّدة وواقعية لإعادة النازحين على دفعات.
*التنسيق بما خصّ الموقف اللبناني في مؤتمر بروكسيل والضغط على المجتمع الدولي والدول الأوروبية لرفع الحصار المالي على سورية ليمكنها من استعادة عافيتها لتكون حاضرة لاستقبال مواطنيها العائدين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى