أولى

غزة العزة… وتحريك طلاب الجامعات في العالم

‭}‬ د. جمال زهران*
مشهد غير مسبوق في التاريخ، أن يتحرّك طلاب العالم في أميركا وأوروبا، وأستراليا، بل واليابان، وبعض الدول في الإقليم، متفرّقة هنا أو هناك، دعماً للقضية الفلسطينية.. ودعماً لشعب غزة خصوصاً، ودعماً للمقاومة في مواجهة الكيان الصهيوني، من أجل التحرير والاستقلال على كامل الأرض الفلسطينية المحتلة، ومطالبة بإيقاف حرب الإبادة الجماعية (Genocide) الصهيونية، على شعب غزة، ووقف تصدير السلاح لهذا العدو الصهيوني، ووقف الدعم لهذا الكيان، الذي انتهى عمره الافتراضي، كما تطالب هذه المظاهرات الطالبية بوقف استثمارات جامعاتهم في الكيان الصهيوني تحت أيّ سبب، والإعلان بشفافية عن ميزانيات الجامعات وبنودها بالتفصيل!
وهو مشهد غير مسبوق، حيث بدأت المظاهرات في أميركا منذ ثلاثة أسابيع، في عدد محدود من الجامعات، سرعان ما انتشرت حتى بلغت الـ (1000) جامعة، وفي أكثر من (30) ولاية، شاملة جامعات كبرى، وذلك إثر رفض رئيسة جامعة كولومبيا، المظاهرات المؤيدة لشعب فلسطين، والمطالبة بوقف الحرب، وقد أعلنت عن دعمها للكيان والحرب، كاشفة عن صهيونيتها، وطالبت الشرطة بالتدخل. وتم اعتقال نحو (100) طالب من الجامعة وعدد من الأساتذة، في مقدمتها أساتذة ورئيسة قسم الفلسفة، وكذلك أستاذة اقتصاد شهيرة، الأمر الذي أدى إلى تعاطف الطلاب معاً في غالبية الجامعات وخصوصاً الكبرى (هارفارد، يل، كاليفورنيا، نيويورك، برينستون.. الخ). وتحرك الطلاب في تظاهرات جماعية، واعتصامات، ونصب الخيام، ورفض تعليمات رؤساء الجامعات، والمطالبة بالتصويت على عزلهم ومحاسبتهم. الأمر الذي أدّى إلى تعليق الدراسة في الجامعات، بعد أن وصل عدد الذين تمّ اعتقالهم، إلى أكثر من (2000) طالب وأستاذ، وتعرّض عدد كبير من الطلاب إلى إصابات، واشتباكات مع البوليس الأميركي سواء الفيدرالي، أو بوليس الولايات!!
وقد لاحظنا في بعض التعليقات ممن يقللون من هذه المظاهرات الطلابية التي تصل إلى مسماها الحقيقي وهو (ثورة الطلاب الجامعيين)، حيث إن جميع المظاهرات التي حدثت في الفترة من 1960 – 2023م، ولم تتعدّ (10) مظاهرات، اتسمت بمحدوديتها زماناً وانتشاراً، ولم تخرج مطالبها عن التنديد بالعنصرية ومساندة شعب جنوب أفريقيا ضد التمييز العنصري وضرورة تحريرها، ومناهضة حرب فيتنام، وحتمية وقف الحرب، وبعض المطالب الجامعية. ولم يحدث أن تحركت مظاهرة طالبية منذ إنشاء دولة الكيان والنكبة الأولى في 1948م، طالبة دعم القضية الفلسطينية، رغم جرائم هذا الكيان وقياداته منذ بن غوريون، وحتى النتن/ياهو، كما لم يحدث أن طالبت مظاهرة واحدة، ضد الكيان الصهيوني، وهذا يؤكد مدى سيطرة السردية الصهيونية والماسونية، بأن دولة الكيان، هي الوطن القومي لليهود!! على حين أنها المشروع الصهيوني الاستعماري، للحيلولة دون وحدة المنطقة العربية، ودون تقدمها، عبر الفتن والتفكيك والتقسيم والتطبيع، وهدم جيوش دول المنطقة الفاعلة كما حدث في العراق (2003م)، ثم سورية (2011م)، وتقسيم ليبيا، والسودان، واليمن، وإدخال المنطقة والإقليم كله في دوامة عدم الاستقرار، ودوامة الخضوع والانبطاح واستمرار التبعية الكاملة للمشروع الأميركي الاستعماري الصهيوني.
لذلك، فإن قيمة هذه المظاهرات، أنه لأول مرة يتحرك الطلاب، وهم جيل جديد من المتجنّسين أميركياً، وانتصروا بالوعي، على السرديات الصهيونية والإدارات الأميركية الصهيونية أيضاً، ولم يعد الكيان الصهيوني، هو التابع الذي لا يُمس، والحتمية التي لا يجوز الرجوع عنها لقدسيتها، من أجل دعم القضية الفلسطينية، وضد جرائم هذا الكيان متمثلة في حرب الإبادة الجماعية ضد شعب غزة الأعزل، وضد القتل العمدي للمدنيين، بل وصل الأمر في قيمة هذه المظاهرات إلى مطالبة إدارات جامعاتهم إلى وقف التشارك الاستثماري مع هذا الكيان الصهيوني، وفك العلاقات معه!! ومن ثم فإن الجيل الأميركي الجديد، يرفض ما كان مقدساً، وغير المسموح به في داخل أميركا، ولذلك كان التعامل البوليسي وإدارات الجامعات، عنيفاً ومتوحشاً، وتأكيداً لذلك، فقد تم اعتقال أكثر من (2000) طالب، وعضو هيئة تدريس من الأساتذة!!
كذلك فإن قيمة وقوة هذه المظاهرات، تمثلت في تحدي الدولة العميقة في أميركا، حيث أن هذه الدولة العميقة، تعتمد في السيطرة على الأوضاع وإخضاع المجتمع كله، لمنظومة واحدة تتوافق مع المشروع الاستعماري الصهيوني بغض النظر عمن يحكم (ديمقراطي – جمهوري) وتتمثل هذه المنظومة في ست دوائر هي: الجامعات – المركب الصناعي العسكري – الإعلام – مراكز الأبحاث – جماعات الضغط (اللوبيهات) – الأحزاب (ديموقراطي/ جمهوري). لذلك فإن أميركا تتعرض لزلزال غير مسبوق، وتداعيات متتالية وقادمة وتتابعية. ولدرجة أن سيناتور أميركي (مستقل) وهو (بيرني ساندرز)، يقول في لقاء مع شبكة (C.N.N)، أن احتجاجات الجامعات الأميركية ضد الحرب على غزة، قد تكون (فيتنام بايدن)، تجاوزت (فيتنام جونسون)، معلناً أن يرفض استمرار بايدن في إعطاء النتن/ياهو، شيكا على بياض، وطالب بتوقف ذلك.
إنها يا سادة (غزة/ بايدن) وغزة العزة.. التي أضحت أيقونة شباب العالم وطلاب الجامعات في التحرك نحو ضرورة تحرير فلسطين، والتخلص من السردية الصهيونية، وأن الكيان الصهيوني تتحتم إزالته، وتبني العودتين (عودة شعب فلسطين لأرضه، وعودة الصهاينة لبلادهم الأصليّة.. وغداً سنرى.
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة قناة السويس، جمهورية مصر العربية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى